خالد الجابر

صورة قاتمة رسمتها لنا المجلة السياسية الأولى على مستوى العالم مجلة quot;فورن بولسي Forgin Policyquot; في تقريرها الخاص عن مجريات الأحداث في عام 2012. فهي أشارت إلى أن عشر حروب أو صراعات ستندلع في مناطق متفرقة من جميع أنحاء العالم معظمها في العالم العربي.
(1)
التقرير الذي أعدته المجلة بالتعاون مع مجموعة الأزمات الدولية أشار إلى أن دولة الممانعة للديمقراطية والحريات والاستمرار في قتل الشعب السوري الأعزل ستتحول إلى أولى تلك المناطق التي قد تندلع فيها الحرب، حيث يتوقع الكثيرون سقوط نظام الأسد والخوف يكمن في عملية الاستقطاب الطائفى الذي يمارسه النظام البعثي الحاكم خاصة داخل الطائفة العلوية والذين يعملون بمبدأ quot;اقتل وإلا ستقتلquot;، بينما على الجانب الآخر توجد رهانات استراتيجية والتى زادت من حدة التنافس بين اللاعبين الدوليين على الساحة السورية والذين يرون الأزمة السورية على أنها فرصة تاريخية لإحداث تغيير فى ميزان القوة فى المنطقة، وأن هذا التنافس يمثل خطرا حقيقيا على إمكانية نجاح الانتقال في سوريا. وعلى الحدود القريبة من سوريا توقعت المجلة أن تندلع الحرب بين إيران وإسرائيل، وذلك على الرغم من نجاح إيران وإسرائيل فى العبور بسلام من الأزمة السورية، إلا أن القضية النووية الإيرانية قد تطيح بهذا السلام، خصوصاً بعد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير الذى سلط الضوء على عدم التعاون الإيرانى مع الوكالة، بالإضافة للانتخابات الأمريكية القادمة التى ستقحم الدعم لإسرائيل على الأجندة الأمريكية أكثر من أى وقت سابق، مما سيوجد بيئة مناسبة لإسرائيل لاتخاذ إجراء يمكن أن يتسبب في عواقب كارثية غير متوقعة. في الخليج والجزيرة العربية أيضا هناك مخاوف من تقسيم اليمن الذي حوله الرئيس الطالح الى حديقة خلفية قاحلة موحشة قاتلة، أشارت المجلة إلى أن اليمن تقف فى منتصف الطريق بين منزلق العنف والأمل الضعيف فى طريقها نحو الانتقال السلمى للسلطة خصوصا مع وجود مجموعات مسلحة تتنازع على السلطة منها عائلة الرئيس اليمنى السابق والجنرال المنشق والأخ غير الشقيق، بالإضافة للتحدي الأكبر حيث ان نشطاء جنوب اليمن قد يطالبون باستقلال فورى عن البلاد من جانب، بينما يمكن أن يطالب الحوثيون فى شمال اليمن بحقوق أكبر لمجتمعهم والحصول على الحكم الذاتى. أما في المغرب العربي توقعت المجلة احتمالية ضئيلة لنشوب صراع في تونس من جانب السلفيين الذين قد همشوا بعد فوز حزب النهضة المعتدل بالانتخابات هناك أو من قبل مدن الطبقات العاملة التى تعانى من التدهور الاقتصادي بعد هروب الرئيس التونسى.
(2)
على الجانب الآخر الإسلامي منه وليس العربي حصرا، تبرز أفغانستان كمعضلة تستعصي على الحل وكمريض لم يعد تنفع معه كل الادوية التي جربت على جسده المتهالك. الفشل على اغلب الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية وحتى الاجتماعية يمنع البلد من الاستقرار وهو لم تتوقف فيه المواجهات والحروب المعلنة والخفية، وذلك على الرغم من مرور عقد كامل من الاستعدادات الأمنية والتنموية والإنسانية، كما أن قيادة حركة طالبان فى مدينة كويتا ترى أن مسألة النصر والحصول على السلطة بدت قريبة المنال وأن عليهم أن ينتظروا حتى يحين وقتهم بإتمام انسحاب القوات الأمريكية المخطط له فى عام 2014، مما قد يتسبب في اندلاع حرب أخرى هناك. وتشترك باكستان في المصير نفسه أو مشابهة له كما ذكر تقرير المجلة وذلك بسبب تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان بسبب الأحداث الأخيرة وأن الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية فى هذا البلد لم يتبلور بعد بشكل صحيح بسبب تحكم الجيش المستمر فى السياسات الخارجية والأمنية ذات الأهمية وأن المتشددين الإسلاميين يتسببون فى زعزعة الاستقرار فى البلاد مما قد يجعل باكستان تسقط فى صراع داخلى يصعب عليها تفاديه. ودخلت منطقة آسيا الوسطى وفقاً لتقرير المجلة فى دائرة المناطق التى قد تندلع بها الحروب وذلك بسبب انهيار البنية التحتية تماماً لدول هذه المنطقة، بالإضافة لتآكل النظام السياسى بسبب الفساد والتحديات الأخرى التى تواجه دول مثل طاجكستان التى تواجه خطر حركات التمرد داخليا وخارجيا، كما أن قرغيزستان ليست بعيدة عن هذا، حيث ان المذابح العرقية فى الجنوب التى وقعت فى عام 2010 يمكن أن تندلع مرة أخرى بما يعرض البلاد لكارثة عبر جولة أخرى من العنف الطائفي.
(3)
أما في افريقيا فقد ألمحت المجلة فى سياق تقريرها إلى احتمالية نشوب حرب بين كينيا والصومال، وذلك بسبب الحملات العسكرية الأخيرة فى الصومال ضد حركة شباب المجاهدين وأن طول بقاء القوات الكينية mdash; ضمن بعثة الاتحاد الافريقى mdash; فى جنوب الصومال أصبح غير مرحب به من الشعب الصومالى، وذلك وسط وجود تمييز إثنى صومالى ملحوظ، بالإضافة إلى النسبة السكانية الكبيرة للمسلمين فى كينيا، الذين ينتقدون بشدة الحملات العسكرية الكينية فى الصومال، مما يثير مخاوف حول وجود احتمال حدوث هجمات عرقية ضد الإثنيات الصومالية فى كينيا، خصوصا قبل الانتخابات العامة هذا العام، حيث نشبت أحداث عنف عرقية فى أعقاب انتخابات عام 2007. وتناولت المجلة الأوضاع فى بروندى، حيث إن هشاشة التطمينات التى تصدرها الحكومة هناك بعد اندلاع الحرب الأهلية فى عام 2000 وتدهور المناخ السياسى هناك الذى جاء بعد مقاطعة انتخابات عام 2010 والتى أسفرت عن اندلاع أعمال العنف وحالة عدم الأمان مما ينذر باندلاع حرب أهلية هناك خلال عام 2012 وفقاً لتوقعات المجلة. وأشارت المجلة السياسية إلى أنه بإعادة انتخاب الرئيس جوزيف كابيلا فى جمهورية الكونغو الديمقراطية كرئيس للبلاد مرة أخرى وهو الأمر الذى لم يرض معارضيه بعد أن شابت هذه الانتخابات شبهة التزوير، كما أن كابيلا خلال حكمه الذى استمر لخمس سنوات استطاع خلالها أن يجذب إلى جانبه العديد من المؤسسات القومية، تاركاً معارضيه بوسائل قليلة يتمكنون من خلالها من التعبير سلمياً عن معارضتهم له.
(4)
ولم تستبعد المجلة وقوع صراعات في دولة المؤيد الأكبر للقضايا العربية والإسلامية ولو بشكل ظاهري وهو الرئيس الفنزويلى هوجو شافيز الذي اختلطت عليه المواقف وفقد اتجاه البوصلة بعد وقوع الثورات العربية وانتشارها وإسقاطها لحلفائه وأصدقائه. المجلة أشارات إلى أن فنزويلا يوجد بها أعلى معدل للقتل في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، وهو المعدل الذي يعد ضعف معدل كولومبيا وثلاثة أضعاف المكسيك، وأن معظم ضحاياه من الشباب الفقراء الذين يقتلون لأسباب لا قيمة لها مثل هاتف محمول أو ما شابه وتوقعت المجلة تزايد معدلات هذا العنف قبل الانتخابات الرئاسية القادمة بعد تسليح الرئيس الفنزويلى لقطاعات من الميليشيات المدنية quot;للدفاع عن الثورةquot; حسب تعبيره، وهو الأمر الذي دفع بالمجلة لإدراجها على قائمة الدول التي يمكن أن تندلع بها الحروب. لكن رغم الصورة المخيفة التي يقدمها تقرير المجلة فانه لا احد يعرف المصير الذي ستؤول إليه الأمور بعد ذلك، فلم يتوقع احد انفجار الشوارع العربية 2011 ولا نعرف إلى الآن ما هو شكل المستقبل هل هو إلى الأفضل أم الأسوأ؟!