عبد الباري عطوان


هناك مثل عربي يقول 'ان المجرم يظل يحوم حول مسرح الجريمة'، وهذا المثل ينطبق بطريقة او باخرى على الولايات المتحدة الامريكية، بالنظر الى تحركاتها العسكرية والسياسية الراهنة في منطقة الخليج العربي.
هناك من يجادل بان ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما التي تقف على ابواب معركة انتخابية شرسة مع الحزب الجمهوري المنافس، وتواجه ازمة اقتصادية خانقة لا يمكن ان تغامر بحرب جديدة في المنطقة بعد ان احترقت اصابعها وجيوبها في حربين خاسرتين في العراق وافغانستان، ولكن أليس من المنطقي القول ايضا انه ولهذه الاسباب، اي الازمة الاقتصادية والانتخابات الرئاسية قد تذهب الى الحرب؟
نشرح اكثر ونقول ان دعم اسرائيل وتلبية مطالبها في تدمير الطموحات النووية الايرانية يشكلان القاسم المشترك للحملات الانتخابية للحزبين الرئيسيين، حتى ان اكثر من مرشح رئاسي جمهوري يهدد بارسال الطائرات والصواريخ الى ايران حماية لاسرائيل لكسب ودها، واللوبي اليهودي القوي الداعم لها.
الرئيس اوباما قطع عطلة رأس السنة الميلادية، ولم ينتظر يومين، ليوقع قانونا امريكيا بفرض حظر على اي معاملات مع البنك المركزي الايراني، واصدر بيانا يؤيد فيه بشدة اتفاقا اوروبيا مبدئيا على فرض حظر على الصادرات النفطية الايرانية، وكأنه يستعجل بدء هذا الحظر، ولا يطيق الانتظار لصدوره حتى آخر الشهر.
امريكا وحلفاؤها الغربيون لا يستطيعون البقاء دون شن حروب في منطقة الشرق الاوسط، حتى انهم يخـــتلقون الاعــــذار ويهيـــئون الاسباب لانفجارها، ففي السنوات العشر الماضية خاضوا ثلاث حروب رئيسية، الاولى في افغانستان، والثانية في العراق، والثالثة في ليبيا، ويبدو ان العد التنازلي بدأ لحرب رابعة ضد ايران في الاسابيع او الاشهر المقبلة.
' ' '
هناك ثلاثة مؤشرات رئيسية كانت القاسم المشترك في جميع هذه الحروب، والمؤشر على قرب اشتعالها:
الاول: فرض مفاوضات فلسطينية ـ اسرائيلية بالقوة، للايحاء بان امريكا ملتزمة بحل هذه القضية، هكذا فعل جورج بوش الاب عندما عقد مؤتمر مدريد للسلام لتبرير حرب عاصفة الصحراء على العراق، وهكذا فعل ابنه بوش الابن عندما اطلق هذه المفاوضات وتحدث عن قيام دولة فلسطينية مرتين، الاولى بالتزامن مع حربه على الارهاب في افغانستان، والثانية قبيل احتلال العراق.
الآن، ودون اي مناسبة، وتحقق اي من الشروط او المطالب الفلسطينية بوقف الاستيطان، او الحد الادنى منها، يساق الفلسطينيون (السلطة) الى مفاوضات مع الاسرائيليين بأمر امريكي، ومبادرة اردنية، بنهايات مفتوحة، ووسط هجمات استيطانية اسرائيلية غير مسبوقة لماذا؟.. انها الاستعدادات للحرب على ايران وربما سورية وحماس وحزب الله معا.
الثاني: صفقات الاسلحة الحديثة والمتطورة الى دول الخليج والتي تصل قيمتها الى اكثر من 130 مليار دولار، وهي طائرات وصواريخ اكبر من القدرات الاستيعابية لهذه الدول، والهدف منها تسريع وتيرة الصناعات العسكرية الامريكية، وخلق مئات الآلاف من الوظائف للامريكيين العاطلين، اي تدوير غير مباشر لعوائد النفط.
الثالث: حالة السعار المتواترة لفرض حظر هنا، وحصار هناك، لخنق ايران وحلفائها اقتصاديا وتجويع مواطنيها، وعلمتنا التجارب السابقة، ان جميع الحصارات التي فرضتها امريكا انتهت بحروب مدمرة، هكذا كان الحال في العراق وليبيا وافغانستان، ولا نعتقد ان الحصار الخانق المفروض على ايران ويتعاظم شهرا بعد شهر سيكون استثناء.
نشهد حاليا حربا كلامية ساخنة محورها مياه الخليج العربي، ايران تجري مناورات بحرية وتجرب اسلحة وصواريخ حديثة متوسطة وبعيدة المدى، وترد واشنطن بتحذيرها بعظائم الامور اذا ما نفذت وعودها باغلاق مضيق هرمز، وتعتبر تهديداتها باغلاق المضيق دليل ضعف، وكأنها تستفزها لدفعها الى الاقدام على هذه الخطوة.
الادارة الامريكية التي قيل انها وضعت خططاً لشن هذه الحرب بالتعاون مع حليفتها بريطانيا تبحث عن 'المفجر'، وسواء خاضت الحرب فعلاً او كانت تهديداتها في اطار الحرب النفسية فانها الكاسب الأكبر، لانها نجحت في تصعيد مخاوف دول الخليج الصغيرة المتضخمة جيوبها وخزائنها بآلاف المليارات من الدولارات، ودفعها بالتالي لشراء الاسلحة دعماً للاقتصادين الامريكي والاوروبي المنهارين، بينما لم تقدم هذه الدول حتى الفتات للدول العربية المأزومة الخارجة من ثورات مثل مصر وتونس.
' ' '
السيدة هيلاري كلينتون مهندسة السياسة الخارجية الامريكية وحروبها الجديدة في المنطقة، تقول انها لن تسمح لايران بامتلاك اسلحة نووية حتى لا يحدث في المنطقة سباق نووي، اي ان تمتلك دول مثل مصر وتركيا والمملكة العربية السعودية رؤوساً نووية، ولكن هذه الحجة مردودة عليها فلماذا لم يحدث مثل هذا السباق عندما امتلكتها اسرائيل الاكثر خطراً على الامة العربية من ايران ومازالت تحتل ارضهم ومقدساتهم؟
نريد سباقاً نوويا في المنطقة، وهو لن يكلف عشر المبالغ المخصصة لشراء صفقات اسلحة من امريكا، علاوة على كونه سيشكل حصانة وردعاً للشعوب العربية في وجه التهديدات الاسرائيلية والايرانية معاً.
ولو كانت هناك قيادات عربية وطنية فعلاً لشجعت ايران على امتلاك اسلحة نووية من اجل ان توفر الذرائع لنفسها للسير على الدرب نفسه.
امريكا خسرت كل حروبها في المنطقة، خسرت حربها في العراق وافغانستان، وها هي تتراجع عن خطواتها السابقة وتتنصل من وضعها حركة طالبان على قائمة الارهاب، وتنفي مطلقاً انها رصدت مكافأة للقبض على الملا محمد عمر او قتله، وتبارك فتح الحركة سفارة في الدوحة لتكون محور الاتصالات معها.
وبناء على ذلك فان اي حرب قادمة لها ضد ايران لن تكون استثناء، ليس لان ايران اضخم واكثر تسليحاً، وانما لان نفس امريكا قصير ولا تستطيع الحفاظ على انتصاراتها التي تحققها لها قدراتها التدميرية العالية. ولان النتائج النهائية تأتي معاكسة تماماً لطموحاتها وأهدافها التي خاضت الحرب من اجلها.
نكره الحروب لانها لا تخلف الا الدمار والأيتام والأرامل، وجميع ضحاياها اخوة لنا ينتمون الى العقيدة نفسها، ولكن اذا خاضت واشنطن حربها الرابعة، فانها قد تكون آخر الحروب الامريكية، وربما الاسرائيلية ايضاً، فالخير قد يأتي من باطن الشر، والمقصود هنا الشران الامريكي والاسرائيلي.