محمد بن عبداللطيف أل الشيخ

يبدو أن الحصار الاقتصادي على إيران الذي يتصاعد مع الوقت بدأ يُؤتي ثماره؛ وفي تقديري أن التهديد بإغلاق مضيق هرمز والصخب الإعلامي المصاحب هدفه إشغال المواطن الإيراني عن وضعه الاقتصادي السيئ؛ أي أنها لا تعدو أن تكون مناورة إيرانية سياسية موجهة إلى الخارج وهدفها الداخل، خوفاً من ربيع فارسي يقتلع نظام الملالي من جذوره.

إيران تمر بوضع اقتصادي متدهور؛ فالفقر يستشري، والبطالة تتزايد، والغلاء المعيشي في أوجه، والبون بين الطبقات يتّسع حتى كادت الطبقة الوسطى أن تختفي؛ وليس ثمة ما يؤشر إلى الانفراج على المدى القريب؛ فالولايات المتحدة والدول الأوروبية تتجه لفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تتعامل مع البنك المركزي الإيراني الذي يقبض ثمن بيع صادرات النفط؛ فقد صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع تأييدا لفرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني بحلول نهاية شهر يناير الجاري، ما يجعل إيران مؤهلة (اقتصادياً) لاجتياح عواصف التغيير والاضطرابات على نمط الربيع العربي أكثر من أي بلد آخر في المنطقة، ولن يفيد الباسيج وهراواته في قمع أي انتفاضة، مثلما لم تستفد سوريا من 17 جهازاً أمنياً في قمع الثوار. ونتيجة للعقوبات يقف الاقتصاد الإيراني في وضع خطير؛ فقد انخفضت العملة الإيرانية مقابل الدولار بنسبة تجاوزت 15% وتتجه إلى الانخفاض أكثر؛ وأثار ذلك نقاشات حادة في البرلمان والصحف و وسائل الإعلام الأخرى حتى الرسمية منها، وتمَّ توجيه انتقادات غاضبة ضد البنك المركزي الذي يحاول الحفاظ على سعر الدولار في السوق الحرة قريباً من سعره الرسمي، ولكن دون فائدة. وبرأ الرئيس نجاد مسؤولي البنك المركزي من المسؤولية، وفي الوقت نفسه قلل من أثر العقوبات، وألقى باللائمة على مضاربين بحجة: (أنهم يملؤون جيوبهم على حساب الشعب)، وأكد أن اقتصاد إيران مستقر. إلا أن تكاليف الحياة أصبحت مرهقة للإيرانيين، خاصة بعد إلغاء الدعم على الطاقة وارتفاع أسعار الوقود والغاز والكهرباء إلى (أربعة أضعاف) ما كانت عليه؛ وقد ساهم ذلك في ارتفاع معدلات التضخم. وزاد العجز في الميزانية حوالي عشرة مليارات دولار قيام الحكومة بدفع مبلغ شهري يبلغ أربعين دولاراً لكل إيراني، تحاشيا لحدوث انفجار اجتماعي كما جاء في أحد التقارير.

ولا أعتقد أن ترحيل الأزمة الداخلية إلى الخارج سيعطي إيران أكثر من مسكن؛ خاصة وأنها لا تستطيع أن تفتعل حرباً انتحارية وتغلق مضيق هرمز مهما كانت ضغوط العقوبات. وأمريكا ومعها الدول الأوربية ليس لها فائدة في تصعيد المواجهة مع إيران إلى درجة المواجهة العسكرية، إلا إذا أقدمت إيران فعلاً وأغلقت مضيق هرمز، وهذا أمر بعيد الاحتمال في ظل الظروف الحالية؛ وفي الوقت ذاته لن تتراجع أمريكا والدول الغربية عن العقوبات الاقتصادية تجاه إيران، وتذعن للتهديد الإيراني.

والسؤال: هل ستُخلّص إيران مثل هذه الإجراءات والتكتيكات السياسية من الربيع (الفارسي) القادم الذي تحملُ بواعثه المؤشرات الاقتصادية السلبية نتيجة للعقوبات الدولية؟.. تفاقم الأوضاع الاقتصادية في إيران وصلت حداً من المستبعد أن تحتويها مثل هذه التكتيكات والمناورات، إلا إذا أذعنت حكومة الملالي لمتطلبات المجتمع الدولي لمراقبة طموحاتها النووية، التي تدور كثير من الشكوك حول غاياتها الحقيقية؛ وهذا على ما يبدو احتمال مستبعد تماماً.