عبد الغفار حسين

وجّه الدكتور عبدالله عمران، وهو السياسي والإعلامي الإماراتي المخضرم، نداءً إلى النظام في الجمهورية الإسلامية في إيران، في جريدة ldquo;الخليجrdquo; عدد (11915)، طالباً من الساسة الإيرانيين أن يركنوا إلى جانب العقلانية في القول والفعل، بعد أن بات هذا الجانب يعتوره شيء من الانفلات اللفظي الملتهب، وذلك بغية توفير الهدوء والأمن والأمان في هذه المنطقة المضطربة التي نعيش فيها . وجاءت لغة الدكتور عبدالله عمران في إطار من العقلانية التي يلتزم بها كل سياسي ذي تجربة من أمثال الدكتور بو خالد عبدالله عمران، وهو في الوقت نفسه الخطاب المتزن الذي يلتزم به أولو الأمر في السياسة الإماراتية تجاه مشاكل المنطقة والعالم .

وفي رأيي أنه ليس كالخطاب العقلاني أسلوب مؤثر في النفوس إلا إذا كانت آذان هذه النفوس ران عليها الصدأ . ومن حقنا في دولة الإمارات، وكأناس يعيشون بجوار الجمهورية الإسلامية، وما ينتج عن هذا الجوار من علاقات تاريخية، أن نسدي النصح ونحاول تضييق الخناق على الشّر، لكي لا يستفحل ويحرق مُشعِله، وغير مُشعِلهِ . فالجمهورية الإسلامية تعيش هذه الأيام في حالة من الانفعال الانغلاقي الذي يرى أن الحق كله بجانبه، وبجانب ما يقوله وما يراه، وأنّ من يبدي أية ملاحظة تحد ولو قليلاً من عمومية هذا الحق، فهو عدو ينبغي أن يجابه بصيحات الويل والثبور .

ومن المعلوم أن إحدى أكبر الأخطاء اللاعقلانية التي يرتكبها النظام في الجمهورية الإسلامية هي الحديث عن لغة القوة، وأن إيران بقضّها وقضيضها قائمة على القوة العسكرية التي تروّع كل من تسوّل له نفسه أن يُجابه طموحاتها، وآية ذلك، هو عرض العضلات ليلاً ونهاراً في اختبار هذا السلاح أو ذاك، والعروض العسكرية في البر والبحر والجو، والقول المكرر غير الرشيد إن إيران تستطيع أن تخترق الحصون المنيعة بصواريخها وطائراتها وسفنها، وبخيلها ورجلها . .

كل هذا الادّعاء قد يكون زوبعة في فنجان، وقد لا يتعدى نشر التهويل والتخويف، ولكن السؤال الذي يدور بخلَد كل إنسان متحضر، هل من المدنية والحضارة في شيء أن تمتلك وتتباهى دولة ما، وشعب ما، بالسلاح الفتاك؟ السلاح فقط الذي يدمر ولا يعمر، ويخرب ولا يبني، في الوقت الذي تعاني أرضه من نقص شديد، بل وغاية في الشدة من البنى التحتية الأساسية والإعمار اللائق بالإنسان المعاصر الذي يجده المرء تحصيلاً عادياً في الدول المتقدمة في أوروبا وفي أمريكا وحتى في دول الخليج المجاورة لإيران، والتي يضرب بها المثل في التنمية وفي جميع المجالات .

نحن بودنا وبدافع الحب للشعب الإيراني، أن نسمع أخباراً تقول إن المجتمع الإيراني بمساعدة نظامه السياسي، بدأ في إنتاج الدواء المكافح للأمراض والأوبئة الضارة بالإنسان، وبدأ في إصدار الغذاء، وأن الإيرانيين في كفاية من العيش ولديهم من الوفرة ما يعطونه للغير، وأن المعامل والمصانع الإيرانية أنتجت من المعدّات الإلكترونية ما تعادل المصنعة في الدول المتقدمة . . وأن الإيراني بدأ يخرج من قمقم الفئوية والطائفية والأيديولوجية الدينية المتشددة والضيقة، إلى عالم فسيح من الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم واحترام حقوق الإنسان .

لقد أثبت التاريخ، وعلينا أن نمعن في قراءته بفهم، أن الدول التي اعتمدت على القوة العسكرية وحدها، كان مآلها إلى التراجع والاندثار في نهاية الأمر، وستظل إيران مهما حشدت من آلات الدمار، ضعيفة أمام القوى العظمى التي لو تكالبت، فإن أمر إيران، وغيرها ممن يعتمدون على العضلات، لن يكون على ما يرام، وأن تكديس الآلات العسكرية يأتي دائماً على حساب التنمية ورفاهية الشعوب، ويرينا التاريخ أيضاً أن العظمة لا تكمن في القوى العسكرية، وإنما تكمن في التقدم الاجتماعي، والتقدم الاقتصادي والتقدم الثقافي، وهذه العوامل هي وحدها التي تجعل من الشعوب المنتفعة بها في مرتبة لائقة وفي الصدارة .