راجح الخوري

عندما يضرب التصدع قمة السلطة في بلد مثل العراق يصبح من العسير اعادة اللحمة الى القاعدة الشعبية التي تعصف بها منذ زمن رياح الانقسامات المذهبية وما نجم عنها من انفجارات وفوضى تدفع بهذا البلد الى مهاوي التقسيم.
ليس سراً ان الفرز المذهبي مضى بعيداً في العراق، قبل ان ينسحب الاميركيون الذين لا يضيرهم ما يجري أو ما يمكن ان تصل اليه الأمور التي تقف على حافة حرب اهلية بغيضة. فمن المعروف ان مخطط اجتثاث الدولة وهياكلها بدأ مع وصول بول بريمر الذي سرّح الجيش وشجع على اجتثاث البعث مشرّعاً الابواب على رياح الضغائن الشيعية ndash; السنية وقد كانت جمراً تحت رماد ديكتاتورية صدام حسين!
ما يجري الآن هو استعجال لعملية اجتثاث الدولة، فمنذ تم فرض رجل طهران نوري المالكي رئيساً للوزراء اتجهت الامور نحو مزيد من الانقسام، وخلال عامين لم يفعل الاميركيون شيئاً لترتيب الوضع، وعندما انسحبوا تركوا العراق لقمة سائغة للايرانيين خصومهم في الظاهر وفوق الطاولة وشركائهم في تقاطع المصالح تحت الطاولة !
ومع اندلاع الثورة في سوريا وفشل نظام الاسد في فرض الحل الامني، احست طهران ان كل ما بنته من نفوذ في سوريا او عبرها في لبنان وفلسطين وعلى الساحة العربية مهدد بالسقوط، ولهذا صار العراق يمثل خط الدفاع الاستراتيجي الاول عنها، وهو ما يفرض هيمنة مطلقة عليه عبر اطلاق يد المالكي ليكون صاحب الكلمة الفصل وهذا يستوجب توجيه ضربة الى اياد علاوي وquot;القائمة العراقيةquot; التي يرأسها.
وهكذا اتُهم نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بالتآمر والارهاب واستدعي الى القضاء فلجأ الى اربيل. وعندما رد نائب رئيس الوزراء صالح المطلك بأن المالكي ديكتاتور اسوأ من صدام نزعت الثقة به واتهم بعدم الاهلية، ويوم الاحد الماضي تم الايعاز الى النواب الشيعة فانسحبوا من كتلة علاوي في عملية فرز مذهبي تؤجج الانقسام اكثر فاكثر.
الآن وصلت الموسى الى ذقن الاكراد عندما اتهم احد نواب كتلة المالكي الرئيس جلال طالباني بأنه يؤوي الارهاب (اي الهاشمي) وهي تهمة حكمها المؤبد، فانسحب النواب الاكراد من البرلمان ثم عادوا.
لكن هذا لا يعني ان الفرز القاتل الذي يعصف بالوسط السياسي سيتوقف في وقت تزداد مطالبة الاقاليم السنية بحكم ذاتي مثل الاكراد... فهل كثير اذا سألنا: ايها السادة، ماذا بقي من العراق ؟!