كتب: Janet Daley - Daily Telegraph

اليورو لن ينهار، وباراك أوباما لن يخسر منصبه الرئاسي، وحزب العمال البريطاني سيبقى برئاسة إيد ميليباند.
اعتادت هذه الصحيفة أن تحتفل ببداية السنة الجديدة من خلال إطلاق توقعات سلبية، لكن وفق قواعدي الخاصة، سأتوقع الأحداث التي تبدو مستبعدة في الوقت الراهن، في ما يلي إذن لائحة بالأمور التي لن تحصل في عام 2012 (مع أن الكثيرين مقتنعون بعكس ذلك):
1) لن ينهار اليورو: يعني ذلك أن العملة بحد ذاتها ستبقى موجودة مع أن الأفكار والفرضيات الاقتصادية التي ترتكز عليها هذه العملة فقدت مصداقيتها. نتيجةً لذلك، لا بد من إعادة ابتكار مفهوم اليورو باعتباره طريقة براغماتية لتجنب انهيار مصرفي كارثي بدل أن يكون حلاً مثالياً لإنهاء العداوة التاريخية المتبادلة بين الدول الأوروبية المتجاورة.
سيؤدي تراجع أهمية مشروع العملة الموحدة وتحوله إلى عملية إنقاذ ارتجالية وغير ناضجة (بعد أن كان حلماً واعداً يبشر بتناغم أبديّ بين الدول الأعضاء) إلى انتشار مشاعر المرارة والاستياء. كذلك، سيتسع نطاق الاتهامات والادعاءات عبر الحدود، ما سيجعل المناوشات التي نشبت في السنة الماضية بين نيكولا ساركوزي وديفيد كاميرون أشبه بخلاف ضئيل. الأهم من ذلك هو أن ما سيتبقى من اليورو ومنطقته من الناحية النظيرية سيبدو أقل معقولية وجذبا، إذ إن الجهد المبذول لتبديد الشكوك المتعلقة بهذا الكيان لضمان صموده سيؤدي إلى استنزاف الموارد المعنوية والأخلاقية للطبقة السياسية الأوروبية. ستصمد العملة إذن لكن ستصل السياسة الديمقراطية الموثوقة، بالمعنى المتعارف عليه، إلى نهايتها.
2) هذا التوقع الثاني هو نتيجة مباشرة للتوقع الأول. لن تنعم اليونان أو إيطاليا مجدداً بالديمقراطية الكاملة، بغض النظر عن الوعود التي يتم إطلاقها الآن بشأن الانتخابات في الأشهر المقبلة. إذا أُجريت الانتخابات في المستقبل القريب، فستشمل حتماً مشاركة مرشحين سيُكلَّفون بتصريف الأعمال، وستكون وظيفتهم ldquo;التكنوقراطيةrdquo; مشابهة لوظيفة الأنظمة التابعة التي أنشأها الاتحاد الأوروبي (أي فرنسا وألمانيا تحديداً). قد يكون هؤلاء الأشخاص هم أنفسهم الذين كانوا يسعون إلى الحصول على تأييد رسمي استناداً إلى التفويض الشعبي.
على الأرجح، لن يشعر الإيطاليون بالقلق من هذا الوضع كونهم يقللون من شأن السياسيين في بلدهم أصلاً ويعتبرونهم مجرمين أو مهرجين، كما أن تضامنهم الاجتماعي يتيح لهم تجاهل السياسة الوطنية التي تُعتبر سخيفة بنظرهم.
لكن في المقابل، سيثور اليونانيون وستؤدي الاضطرابات الناجمة عن تلك الثورة إلى استحالة اعتماد اليورو في ذلك البلد، حتى بعد تجديد شكل العملة. ستخرج اليونان إذن من منطقة اليورو، وربما من الاتحاد الأوروبي ككل، لكن لن ينجم ذلك عن أسباب اقتصادية بل سياسية، لأن البلد لن يقتنع بسقوط أسطورة اليورو الجديدة القائلة إن ldquo;صمود العملة الموحدة فقط يستطيع إنقاذنا من الجحيم على الأرضrdquo;! سيتم إقصاء اليونان ثم عزلها لتجنب انتشار آرائها المعارِضة الخطيرة.
3) لن يخسر باراك أوباما الرئاسة: قد تبدو نسبة تأييده في استطلاعات الرأي كارثية الآن، لكن تبرز بعض المؤشرات القليلة على تعافي الاقتصاد الأميركي، ومن المعروف أن هذه الانتخابات الرئاسية ستتمحور حول الاقتصاد بشكل رئيس، فمن الكارثي أن تبلغ فرص أي مرشح ذروتها في مرحلة مبكرة.
لكن ستتراجع فرص أوباما في مرحلة مبكرة أكثر من اللزوم مقارنةً بحظوظ الجمهوريين، وربما تراجعت شعبيته إلى أدنى المستويات في منتصف الصيف الماضي قبل أن تستعيد مسارها التصاعدي في مرحلة لاحقة.
في حال تراجع معدل البطالة (بشكل تدريجي ولكن ثابت)، وفي حال تعافى النمو الاقتصادي (بوتيرة بطيئة ولكن ثابتة)، وفي حال تم تمرير برنامج أوباما الخاص بالرعاية الصحية في المحكمة العليا، وفي حال تجاوز الرئيس أي تحديات إضافية من الكونغرس الجمهوري في مجال التخفيضات الضريبية، فسينجح أوباما في هذا الاستحقاق الانتخابي حتماً.
لن يكون الفوز ساحقاً ولن تسود الأجواء الاحتفالية التي طبعت فوزه الأول، ولكنه سيكسب ولاية رئاسية ثانية. كان التشكيك باحتمال حصول هذا السيناريو هو الذي منع أهم الجمهوريين (مثل حاكم ولاية نيوجيرسي كريس كريستي) من الترشح هذه السنة.
إذا تعافى الاقتصاد الأميركي بما يكفي لإنقاذ أوباما من العودة إلى حياته الأكاديمية السابقة، فستعلن بعض الأطراف عن انتصار سياسات التحفيز الاقتصادي وفق النظرية الكينزية التي يتبعها أوباما والتي تتعارض مع برنامج ldquo;التقشفrdquo; الأوروبي الذي يدافع عن مشروع تخفيض العجز باعتباره على رأس الأولويات.
ستكون هذه المقاربة خاطئة بالكامل لتفسير الأحداث المرتقبة، وسينهض الاقتصاد الأميركي من كبوته الراهنة (هذا ما يفعله الاقتصاد الأميركي دوماً) بفضل أخلاقيات العمل وروح المغامرة التي يتمتع بها الشعب الأميركي، لكن لن يكون النهوض الاقتصادي مرتبطاً بمشاريع الإنفاق الخاصة بالحكومة الفدرالية.
بل إن التأثير الضئيل (وفق المعايير الأوروبية) الذي تخلفه سياسة تدخل الحكومة في الولايات المتحدة هو الذي يسمح للمواطنين بتنشيط حياتهم الاقتصادية بفضل مواردهم وجهودهم الخاصة. ستمنح ولاية أوباما الثانية الوقت الكافي للجمهوريين كي يعيدوا الاصطفاف خلف مرشح لا يكون مملاً بقدر ميت رومني، وكي يعيدوا صياغة حججهم ضد مسيرة أوباما الذي يسعى إلى إرساء ديمقراطية اجتماعية خيالية تشبه المأزق الذي تواجهه أوروبا الآن. لن تقل مظاهر العداء والضغينة في الخطاب السياسي داخل الولايات المتحدة: فلن تكون المرة الأولى التي تستعمل فيها الولايات المتحدة حجة حقيقية عن حجم الدولة وقوتها التي يجب أن تطغى على جميع النقاشات في الأنظمة الاقتصادية الغربية الغربية.
4) لن يتم تعيين رئيس جديد لحزب العمال البريطاني مكان إيد ميليباند. بغض النظر عن استياء الرأي العام منه وبغض النظر عن انتقاداته المتناقضة والعشوائية لسياسات الحكومة، سيصمد ميليباند في منصبه، وسواء سجل نقاطاً لمصلحته أو ارتكب إخفاقاً كبيراً، فهو سيلقى دوماً هتافات تأييد صاخبة من الناشطين الذين لا يتوانون عن إظهار ولائهم لزعيم حزب العمال بغض النظر عن أدائه. في الأوقات التي يكون فيها أداؤه متخبطاً ومربكاً، سيجد من يمد له يده من وسائل الإعلام لاستخراجه من أعماق الخيبة واليأس، وقد يعلن بعض المعلقين، ربما بدافع الشفقة، أنه أكثر ذكاءً وعمقاً مما يظن الجميع.
لكن يتعلق السبب الرئيس الذي يفسر بقاء إيد ميليباند في منصبه بواقع أن أحداً لا يريد هذا المنصب في الوقت الراهن. ربما تواجه الحكومة مشاكلها الخاصة، لكن يصعب خوض معركة ضدها، فلا يمكن معارضة حكومة تطرح أفكاراً غامضة ومتقلبة من خلال طرح رسالة واضحة، لكن في الوقت نفسه، لا تستطيع أحزاب المعارضة أن تفرض نفسها من دون رسالة واضحة.
آخر توقع لن يحصل في هذا العام: لن تكون السنة المقبلة سيئة بقدر ما يظن الجميع بالنسبة إلى معظم الناس في بريطانيا، فمن هنا يمكن أن نتمنى للجميع عاماً سعيداً!