مازن حايك

69 سنة مرّت منذ الاستقلال الأول العام 1943، واللبناني ينتظر! ينتظر أن تتحقق أحلامه، وأن يعطى أبسط الحقوق، وأن يعيش بأمن وسلام وطمأنينة، وأن تُبنى الدولة ومؤسساتها، وأن يُقلِع الأبناء عن الإحباط واليأس والهجرة، وأن يتوقف عن دفع الثمن لتَبادُل الرسائل وتصفية الحسابات الإقليمية والدولية على حسابه. وبعدما كان طموح اللبناني في الماضي لا حدود له، أصبح اليوم يُقاس بـ quot;كيلوواتquot; الكهرباء، وبمدى قدرته على الحصول على أبسط الخدمات العامة، والتمتّع بالأمن والأمان، والقيادة على طرق سالكة، والعيش ضمن بيئة نظيفة صالحة للتنفّس والحياة، وانتظار التعيينات - على علاّتها وفسادها والمحاصصة فيها - لتسيير شؤونه اليومية، وأخيراً، الحلم بتأشيرة سفر سعياً وراء فسحة أمل.
على مرّ السنين، نجح quot;تجار السياسةquot; (وما أكثرهم!)، في اجتذاب اللبنانيين الى صراعات الماضي وشعاراته الآسرة، في الوقت الذي خسر الجميع، باستثناء quot;حزب اللهquot;، وللأسباب الواضحة والنتائج المعروفة، قدراتهم السياسية، والاقتصادية ndash; الاجتماعية، والتنموية، والتنافسية، والدفاعية، والأمنية، والإدارية، وغيرها... ناهيك عن فقدانهم الجزء الأكبر من صورة الدولة وهيبتها، وهرميتها، ودورها، ومؤسساتها، بالإضافة إلى انحسار منسوب الأمل لدى الشباب، واستفحال البطالة والفقر والهجرة، وتَراكُم المآسي الإنسانية والخسائر المادية. إذاً، ببساطة، أغفل اللبناني، كلياً أو جزئياً، عملية بناء المستقبل، وفوّت قطار التطوّر والتنمية ومواكبة العصر، وأضاع فرصة المنافَسة والتمكُّن من مواجهة التحديّات المستقبلية على تنوّعها واختلافها... وهو ينتظر!
صحيح أن جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع على عاتق quot;تجار السياسةquot; وخياراتهم والرهانات، مسلمين ومسيحيين، موالين ومعارضين، ممَّن يلبسون ثوب الطائفية، والمذهبية، والمحاصصة، والزبائنية، والولاء للخارج، والإفساد، وصرف النفوذ، والإثراء غير المشروع... بعيداً من معايير التفاني والعلم والكفاءة والنزاهة والمبادرة والإنجاز والمحاسبة التي تُميّز غالبية اللبنانيين. لكن، الأصح أن المسؤولية أصبحت اليوم جامعة ومشتركة، وهي تقع على عاتق القطاع الخاص، والقطاعات المنتِجة، وقادة الرأي، والهيئات النقابية (أو ما تبقى منها من دون تسييس!)، والمؤسسات التربوية، وحكماء الجمهورية، وغيرهم ممن يُفترَض فيهم أن يرفضوا الواقع المتردّي، وأن يسعوا جاهدين لوضع حدّ للانزلاق المتمادي نحو الهاوية، وذلك بهدف الخروج من المعادلة القائلة أولاً بأن التغيير لا يأتي إلاّ من الخارج وعبره، وثانياً بأن مَن يَملُك القدرة على التغيير في الداخل لا مصلحة فعلية لديه في حصوله، وثالثاً بأن مَن لديه المصلحة في التغيير لا قدرة له على إحداثه.
فماذا ينتظر اللبناني بعد، وإلى متى؟!