عبدالجليل زيد المرهون


يُمكن القول، على نحو أكثر تحديداً، إنه بالتوازي مع المعطيات ذات الصلة المباشرة بالبيئات المحلية عامة، سوف تتأثر صورة الخليج، وأمنه الإقليمي، على وجه خاص، بثلاثة ملفات رئيسية، هي: الوضع العراقي، والنزاع بين إيران والغرب، والأحداث الدائرة في اليمن.

كيف تبدو صورة الخليج في العام 2012 ؟ ما هي العوامل المؤثرة في تشكيل هذه الصورة سياسياً وأمنياً؟ وأين يقع الخليج من التطوّرات الدائرة في الشرق الأوسط؟

أجل، نحن اليوم بصدد شرق أوسط يشهد حالة متعاظمة من السيولة. ولم يصل بعد إلى مرحلة إعادة التشكل.

إن صورة الشرق الأوسط في طريقها للتغيّر. وهذا أمر بات في حكم المتحقق أو المنجز عملياً.

الشرق الأوسط عام 2012 لن يكون هو ذاته قبل هذا العام. وفي إطار هذا التحوّل في المشهد الجيوسياسي، ثمة مضامين ودلالات إقليمية ودولية، تتبدى جنباً إلى جنب مع المعطيات الوطنية المتحوّلة.

في هذا الشرق الأوسط المتحوّل، ليس لأحد من رهانات كبرى. وتبدو فيه التطلعات مرتبطة بالداخل ومتجهة إليه مركزياً.

والخليج، بموقعه المحوري في الشرق الأوسط، يتأثر مركزياً بالتطورات الدائرة في هذا الشرق، إن في سياقها العام الناظم، أو في تجلياتها المحلية، أو صلتها الضمنية أو المباشرة بالأمن الإقليمي.

ويُمكن القول، على نحو أكثر تحديداً، إنه بالتوازي مع المعطيات ذات الصلة المباشرة بالبيئات المحلية عامة، سوف تتأثر صورة الخليج، وأمنه الإقليمي، على وجه خاص، بثلاثة ملفات رئيسية، هي: الوضع العراقي، والنزاع بين إيران والغرب، والأحداث الدائرة في اليمن.

وإضافة إلى ذلك، سيبقى أمن الخليج، سيما أمنه الملاحي، وأمن طاقته النفطية، متأثراً على نحو مباشر بغياب الاستقرار في الصومال، واتساع ظاهرة القرصنة في بحر العرب.

وفيما يرتبط بأمن الخليج الإقليمي، لا يحمل العام 2012 جديداً على صعيد القضايا الكبرى، المؤثرة في تشكيل صورة هذا الأمن.

هناك اليوم حركة تسلّح وئيدة في الخليج. وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد سباق تسلّح بالمعنى النظامي للمصطلح. والقضية الرئيسية المثارة هنا تتصل بمدى وضوح مفاهيم الردع، أو لنقل خياراته.

ومن ناحية ثانية، هناك تقاطبٌ إقليمي لا يدور في معظمه داخل الخليج، لكنه يرتد عليه. تقاطبٌ يرتبط بقضايا عربية مختلفة، قديمة ومستجدة. ولعل العراق يُمثل الساحة الخليجية الأكثر وضوحاً لتجليات هذا التقاطب.

وعلى صعيد ثالث، عادت قضايا الحدود لتفرض نفسها على أجواء الخليج. وظهرت من جديد النزاعات الكامنة أو النائمة، ذات الصلة بدعاوى السيادة على الأراضي والمزارع، وحقول النفط والغاز. وأضيفت إليه هذه المرة نزاعات مستجدة على الممرات البحرية.

على صعيد الوضع العراقي، ثمة مخاطر ماثلة، تتأتى من أزمة الوفاق الوطني، وضغوط التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وغياب العرب عن الساحة العراقية.

ليس ثمة جديد في القول بوجود أزمة أو وهن في الوفاق الوطني العراقي، إلا أن الجديد هو ارتفاع منسوب التجاذبات الدائرة بين القوى السياسية العراقية.

وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو العراق أمام شبح حرب أهلية، على النحو الذي شهده في العامين 2006 ndash; 2007.

وفي الحقيقة، لم تعد في العراق قوة قادرة على دفع البلاد إلى أتون حرب أهلية. وبالطبع، من الصحيح أن يتوقع المرء اضطرابا أمنيا تحدثه خلايا نائمة لمجموعات مسلحة، إلا أن هذا الاضطراب لا صلة له بقضية التعايش الأهلي بين العراقيين.

بقي أن العراق، الذي بنى قدراته على مستوى الأمن الداخلي، لا يبدو قريباً من استكمال قوته العسكرية، وتحقيق متطلبات أمنه القومي. وفي التقدير المبدئي، فإن الوصول إلى هذا الهدف لن يتم قبل سبع سنوات كحد أدنى. وهذا بالطبع إذا ما مضت برامج التسليح وفقاً للخطط المعلنة. ومع افتراض محافظة أسعار النفط على مستوياتها المرتفعة، وافتراض أن العراق سيتمكن من رفع معدلات إنتاجه النفطي.

وحتى ذلك الوقت، فإن العراق سيبقى فاقداً لثقله الاستراتيجي الوازن في معادلة أمن الخليج. وعلى الرغم من ذلك، فإن عقد القمة العربية القادمة في بغداد، قد يكون مناسبة لعودة العرب إلى الساحة العراقية، وتفعيل روابط بغداد بمحيطها العربي.

على صعيد الملف النووي الإيراني، يبدو واضحاً اليوم أن منسوب الضغوط الغربية على إيران قد تزايد. وبات في خطوط متقدمة. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الضغوط لا زالت محسوبة العواقب، ولم تدخل مرحلة يصح القول فيها إن الوضع قد خرج عن نطاق السيطرة، بالنسبة للأطراف المختلفة.

وقد يكون الملف النووي الإيراني هو العنوان المباشر للنزاع الدائر بين الغرب وإيران. إلا أن هذا النزاع يمتد باتجاه قضايا إقليمية مختلفة. وهناك اليوم توترات بادية للعيان إلا أن الخليج لا يبدو أمام حرب رابعة في العام 2012.

وبالطبع، فإن هذا القول لا ينفي حقيقة أن احتمالات هذه الحرب هي اليوم أكثر حضوراً مما كانت عليه منذ العام 2003. وعلى كافة الأطراف عدم التقليل من خطورة الوضع الذي تعيشه هذه المنطقة الحساسة من العالم.

فيما يرتبط باليمن، يُمكن القول إن عدم الاستقرار سيبقى سمة الوضع الداخلي خلال العام 2012، كحد أدنى. وسيكون التقسيم احتمالاً قائماً، لا يجوز استبعاده في أي تحليل أوليّ للمعطيات السائدة. وقد يأتي هذا التقسيم مغلفاً بعنوان فيدرالي، أو حتى كونفيدرالي.

إن المشكلة القائمة على هذا الصعيد لا تتمثل في غياب التفاهم بين الفرقاء الشماليين والجنوبيين وحسب، بل كذلك بين الجنوبيين أنفسهم. فبعض القوى الجنوبية تصر على الانفصال الكامل، وبعضها يدعو للفيدرالية، كمرحلة انتقالية بين الوحدة الاندماجية والعودة إلى التقسيم.

لا ريب أن الوضع اليمني معقد في الكثير من أبعاده. وإن أحداً لا يستطيع استبعاد سيناريو أشبه بالكابوس، يجمع بين كلّ من التقسيم وانتعاش التنظيمات المسلحة، وانقسام النخبة السياسية في الشمال ذاته. وعندها يغدو اليمن قريباً من الحالة الصومالية. وإن كان من المستبعد مبدئياً وصوله إليها.

إن الوضع في اليمن سوف يرمي بتداعياته المباشرة على الأمن في الخليج من أبعاد مختلفة، بعضها متحقق اليوم، على أي حال.

إن أحد السيناريوهات، التي لا يجوز استبعادها في العام 2012، يتمثل في اشتباك طويل الأمد بين الشمال والجنوب، يفضي، ضمن أمور أخرى، إلى اضطراب حالة الأمن في مضيق باب المندب، على نحو يرفع عالياً درجة المخاطرة فيه، ويضاعف من تعقيد حركة الملاحة بين الخليج وقناة السويس.

وعلى صعيد آخر، سوف تبقى معضلة القرصنة البحرية مستمرة، على الأرجح، في بحر العرب، خلال العام 2012. وسوف يكون اتساع الظاهرة بمثابة نتيجة بدهية لتطوّر نشاط القراصنة. وقد يكون بحر عُمان أكثر المعنيين بهذا التطوّر. وقد بدأت المؤشرات الدالة على ذلك.

وهناك سببان يدفعان للاعتقاد بأن القرصنة سوف تستمر فصولاً في بحر العرب: الأول بقاء الوضع الصومالي على حاله. والثاني عدم حدوث تحوّل رئيسي في أداء القطع الحربية، الدولية والإقليمية، المتواجدة في بحر العرب، حيث لا زالت البنية التسليحية لهذه القطع تمثل تحدياً لم يتم التغلب عليه.

وبالنسبة للصومال ذاته، فإن الاتفاق على إنهاء المرحلة الانتقالية قد مثل خطوة إلى الأمام، بالمعنى السياسي العام. بيد أن مستقبل المصالحة السياسية في البلاد لا يبدو واضحاً، بحال من الأحوال.

ويبقى الأمر الأكثر تحدياً في المقاربة الراهنة لوضع الصومال هو ذلك المرتبط باتساع دائرة التورط الإقليمي في ساحته الداخلية، وخاصة فيما يتعلق بالتوغل العسكري الكيني.

وفي المجمل، فإن ظروف الصومال ستبقى ضاغطة على أمن المنطقة، بالتوازي مع كونها تحدياً للأمن الدولي، والأمن الدولي الإنساني، على حد سواء.

وفي المقابل، ليس هناك من احتمال كبير لتسوية سياسية لحالة الصومال في أفق العام 2012. ويعود ذلك جزئياً إلى الغياب العربي، ومراوحة المقاربات الإقليمية والدولية، وتعثرها الناجم عن الخلط بين مقتضيات المصلحة الوطنية الصومالية، والاعتبارات الخاصة بالقوى والأطراف الأخرى، سيما الإقليمية منها.

وإضافة للمؤثرات السياسية والأمنية، المحلية والإقليمية، التي ستعكس نفسها على صورة الخليج في العام 2012، ثمة تحديات اجتماعية سترمي بتأثيراتها هي الأخرى على هذا المشهد، تأتي في المقدمة منها حالة الاستقطاب الطائفي والمذهبي، التي غدت متفشية في الشرق الأوسط، على نحو لم يشهد له الإقليم مثيلاً منذ ثمانينيات القرن العشرين، كحد أدنى.

إن المنطقة العربية، بما فيها الخليج، هي اليوم أمام منعطف تاريخي، يجب مقاربته على نحو يخدم تطلعات الأمة، ويعزز فرص الرخاء فيها، ويصون مصالحها العليا.