عبدالله جمعة الحاج

عام مضى والعالم العربي يغلي. خُلِع رئيسان من سدة الحكم، وقُتل زعيم، والهيجان لا يزال مستمراً في سوريا واليمن، وينبئ بالاندلاع في دول أخرى. لكن هل غيَّر ذلك العالم العربي وجعله أحسن حالاً أم أن العكس هو الحاصل؟ وفي الوقت الذي قد يجلب فيه العام الجديد آمالاً عريضة للعرب، فإنه قد يحمل معه نذراً بالعديد من المخاوف والمخاطر. لكن ما هي تلك الآمال والمخاوف؟ الواقع يمكن القول بأنها كثيرة، لكن ذلك يعتمد على المخيلة والعقل السليم. وبالتأكيد ستتحقق العديد من الإنجازات، لكن ربما يصاحب ذلك أيضاً العديد من المآسي الإنسانية في سوريا واليمن والعراق والسودان. إنَّ السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو ما الذي تخبئه الأقدار للعالم العربي في عام 2012 وما وراءه؟


توجد أقوال مأثورة لدينا نحن العرب منها quot;اشتدي أزمة تنفرجيquot;، وفي نهاية النفق المظلم يوجد نور وأملquot;، لكن إلى الآن، ورغم ما تكللت به التجربة التونسية من نجاح، فإن خيبة الأمل آخذة في التسلل إلى نفوس العديد من العرب، خاصة على ضوء التجربة المصرية التي تتسم حتى الآن بتطورات مقلقة، وما يشير إليه العديد من المصريون الذين يتحدثون في وسائل الإعلام عن الفوضى وغياب الأمن والاستقرار النفسي والذهني لدى الإنسان المصري. ثم اندلعت الثورات والاضطرابات في سوريا واليمن اللتان فقدتا استقرارهما بشكل لافت للنظر، وتم تقسيم السودان، ويستمر الوضع المتردي في العراق بعد الانسحاب العسكري الأميركي منه.
ويقابل ذلك أن البلاد العربية جميعها عليها أن تواجه وضعاً عالمياً مضطرباً يؤثر على مجمل أوضاعها الداخلية والخارجية، فالولايات المتحدة هي القوة الكونية العظمى الوحيدة الباقية في عالم اليوم، وبوضعها هذا لها مصالح في كل بقعة من بقاع الأرض والعالم العربي بحجمه وخبراته وامتداداته الاستراتيجية ونفطه، ووجود إسرائيل في وسطه، يجعله بالنسبة لها، أهم مناطق العالم على الإطلاق. ومن جانب آخر، فإن دول أوروبا مجتمعة من خلال الاتحاد الأوروبي، أو كل دولة على حدة لها مصالحها الحيوية أيضاً في البلاد العربية وستدافع عن تلك المصالح بكل ما تستطيع من قوة. والصين هي القطب العالمي الجديد الذي يعمل على ترسيخ أقدامه بقوة في كافة البلاد العربية من خلال غزو اقتصادي يبدو للوهلة الأولى هادئاً، لكنه في جوهره شديد البأس تعمل الصين على تنفيذه بكل قوة وثبات.

والواقع أنه من الناحية العملية يعمل الغرب مجتمعاً على تحقيق مصالحه بشكل مشترك، وهو يقوم بذلك تحت شعارات مقاومة الإرهاب وملاحقة النظم التي تسعى إلى حيازة الأسلحة غير التقليدية والوقوف في وجه ما تصفه بالأنظمة المارقة.

إن حقيقة الأمر ليست كذلك في المطلق، فالمبررات المشار إليها هي ربع الحقيقة فقط، أو الثلاثة أرباع الأخرى فتكمن في تأمين المصالح الاقتصادية والاستراتيجية العربية بكافة الطرق والوسائل الممكنة، وحماية أمن إسرائيل، فالغرب يسعى إلى تأمين تدفق النفط، وإبعاد شبح النفوذ الصيني ومن بعده الروسي مستقبلاً، ثم بعد ذلك التبشير بالديمقراطية الغربية كفكر سياسي وانتشار ثقافي يعلم من يعمل على إدخاله إلى العالم العربي بأن له مردودات إيجابية كثيرة على المصالح الأخرى لو تم تحقيقه. هذا هو حال العالم العربي وهو يستقبل العام الجديد، والأمل معقود في أن يعي الإنسان العربي بأن ليس كل ما يحدث في عالمه هذه الأيام سيصب في مصلحته على المدى البعيد، فالثورات لو فلت زمامها قد تكون لها تداعيات حالكة السواد، وكل عام يا عرب وأنتم بألف خير.