فاتح عبدالسلام

كثرت الدعوات مؤخراً الي عقد مؤتمر وطني عام في العراق بدعوي تدارك الأزمة السياسية التي تعصف مجدّداً بالبلاد بالتزامن مع عصف أمني كبير.
وصارت الدعوة الي ذلك المؤتمر لازمة علي لسان زعامات وأحزاب من دون أنْ يكون هناك رؤية لأحد يقوي علي عرضها عن آليات وضمانات تطبيق قرارات هذا المؤتمر المنشود.
في البدء كانت الدعوة من الحزب الحاكم ما لبثت أنْ أصبحت دعوات من أحزاب أخري حتي تحوّلت الي أمل يشبه القشة بعد أن لاح الغرق وشيكاً أمام هذا المركب المسمي العملية السياسية.
المؤتمر الذي يسعي إليه سياسيون دون سواهم يقع في إطار منطلقات مختلفة لدعاته، قد يكون محاولة من بعضهم للعودة الي الأضواء التي غادروها قسراً أو طوعاً بعد هيمنة حزب واحد وشخص متشنج واحد حسب وصف أحد خصومه (الحلفاء) في جلسة بدمشق قبل عام. وقد يكون محاولة أصيلة من الحكومة لإعادة فرز (الأعداء والحلفاء) بعد أنْ نزعت نحو استهداف الخصوم علي نحو مباشر حتي لو كان سيغدو سبباً في انهيار سياسي وأمني، ومن ثم تحويل المؤتمر الي مزاد لاعلان الالتفاف حول الحكومة بوصفها حامي العملية السياسية التي يتباكي الجميع عليها خوفاً من انهيارها الذي يعني انهيارهم، ربّما باستثناء الحزب الحاكم الذي باتت لديه السلطة أكبر من العملية السياسية بالرغم من استمرار حاجته إليها بوصفها عاملاً تزيينياً وتحييدياً لقوي وشخصيات.
العراق لا يحتاج الي مؤتمرات تشبه المزادات أو المهرجانات في أحسن الأحوال، فذلك عمل من أعمال الزرافات ليس أكثر.
إنَّ الوضع العراقي هش الي درجة ان تصريحاً من نائب يهدد فيه رئيس الجمهورية بالفقرة 4 إرهاب، أدي الي انسحاب كتلة من جلسات البرلمان لأسبوع وتفاقم الأزمة السياسية بين الفرقاء علي نحو مبالغ فيه. ربّما لأنَّ الجميع يعرف أن هناك نواباً يمثلون أدواراً وينقلون رسائل سريعة من جهات أغلبها خارجي في الرد علي مواقف لأحزاب وشخصيات وفئات.
العراق لا يحتاج الي مؤتمر وطني علي المنوال نفسه من الصيغ السياسية التي تعتمد أسلوب (غطيني وأغطيك)، ذلك إن الدم العراقي لا يزال يسفك ولا يوجد أثر الحكومة في معالجة أسباب سفكه مادامت تقوم بدور quot;القائد للعملية السياسيةquot;. حيث لكل شيء سبب لاسيما بعد الانسحاب الامريكي.
أمّا الاتهامات التقليدية الجاهزة ضد جهات وفئات لاسيما في أيام الزيارة الأربعينية فهي لا تحل مشكلة بل تفاقمها وتدخر تفجيرات جديدة لمناسبات مقبلة، مع الانتباه الي أن العمليات الإرهابية تقع قرب كربلاء والناصرية ومناطق مغلقة لجهة وأحزاب خاصة في بغداد، وإن تسلل العنصر الغريب وبهذه الكثافة وبعد هذه السنوات الطويلة من العمليات الأمنية هو ضرب من الخيال.
وما غريب إلاّ الشيطان كما يقولون، ونخشي أن يقال في بلاد الرافدين، ما غريب إلاّ الانسان.