كتب: Gideon Rachman

أكثر ما يتمناه الرئيس باراك أوباما في عام 2012 هو أن يتماسك الأوروبيون وأن يتجنبوا إغراق العالم في حالة من الركود قبل الانتخابات الأميركية في شهر نوفمبر.
ستتأثر الجهود الرامية إلى إنقاذ الاقتصاد العالمي هذه السنة بمفارقة سياسية خطيرة، فمع تزايد الحاجة إلى تعزيز التعاون الدولي، تزداد صعوبة تحقيق هذا الهدف.
بدأ العام الجديد بينما يواجه العالم تهديداً بنشوء أكبر أزمة اقتصادية منذ عام 1945، ففي ظل تدهور الوضع الاقتصادي، ستصبح الخطوات اللازمة التي يجب أن يتبعها قادة الدول أكثر أهمية لكن سيصعب إقناع الرأي العام بها محلياً، إذ تشمل تلك الخطوات المشاركة في خطط الإنقاذ الكبرى الخاصة بالدول الفقيرة، وتوفير الدعم للبنوك التي تواجه مشاكل مالية، والتعاون مع الدول التي يعتبرها الشعب مفلسة أو مخادعة.
عام 2012، من المنتظر أن يُطلَب من أهم قادة العالم تنفيذ جميع الخطوات الآنف ذكرها، ولكنهم سيجدون صعوبة كبيرة في تطبيق أي منها. كما أنّ عوامل الركود الاقتصادي وانعدام الاستقرار ومشاعر الذعر التي تستلزم تعاوناً دولياً حثيثاً ستزيد من غضب الناخبين وصرامتهم في الاستحقاقات الانتخابية.
بسبب الضغوط السياسية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية الدولية، لم يتمكن الاتحاد الأوروبي، ولا المجتمع الدولي عموماً، من التعامل بفاعلية مع مشاكل الديون في أوروبا. خلال السنة المرتقبة، من المتوقع أن تتفاقم المشكلة لأن عدداً من أهم الدول سيخوض معارك انتخابية أو تغييرات في الرئاسة، الأمر الذي سيصعّب عليها بذل جهود إضافية في المجال الدبلوماسي، وستحصل انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، وستتغير القيادة العليا في الصين في نهاية السنة أيضاً.
لكن ستتزايد المطالب من بلد واحد لن يخوض الانتخابات، فهذه السنة، كما في عام 2011، سيتطلع العالم إلى ألمانيا لطلب الأموال والقيادة الفكرية بهدف إنقاذ منطقة اليورو من الانهيار.
لكن تتردد ألمانيا من جهتها بتقديم أموالها مجدداً، بل إنها تبذل قصارى جهدها لضمان عقد معاهدة أوروبية جديدة من شأنها فرض ضوابط صارمة على حجم العجز (لن تؤثر هذه السياسة في أزمة الدين على المدى القصير وستترافق مع نتائج عكسية على المدى الطويل).
يمكن اعتبار السلوك الألماني مبرراً عند مقاربته في سياق السياسة الداخلية. ترتكز سياسات المستشارة أنجيلا ميركل على رغبة شعبية تطالب بألا تموّل ألمانيا أي خطط إنقاذ إضافية في أوروبا بل أن تركّز على تصدير ldquo;ثقافة الاستقرارrdquo; التي تميّزها.
تتعرض ميركل للانتقاد من قادة الدول الخارجية أحياناً لأنها تسمح للضوابط السياسية المحلية بتسيير مقاربتها الخاصة بمعالجة الأزمة. لكن يكفي أن ننظر إلى مختلف أجزاء العالم لنلاحظ أن جميع الدول تقوم بالأمر نفسه، وستكون فرنسا (التي ستنشغل أيضاً بانتخاباتها الرئاسية) شريكة ألمانيا الأساسية في أوروبا خلال الأشهر المقبلة. وسيحاول نيكولا ساركوزي تأجيل أي تحول إضافي في مسار الأزمة إلى ما بعد تاريخ الانتخابات النهائية في 6 مايو، مع التصدي للاتهامات التي يطلقها ضده تيار اليسار واليمين المتطرف والتي تعتبر أنه يبالغ في التنازل عن سيادة بلده لمصلحة ألمانيا.
لكن ماذا عن الولايات المتحدة؟ في إحدى المرات، أعلن بيل كلينتون بكل فخر أن الولايات المتحدة هي ldquo;الدولة التي لا يمكن الاستغناء عنهاrdquo;، لكن في ما يخص مشاكل منطقة اليورو، ستكون الولايات المتحدة مسرورة للغاية إذا تم إعفاؤها من مسؤولية حل تلك الأزمة.
لا تتوافر اليوم أموال كافية لفرض نسخة معاصرة عن ldquo;خطة مارشالrdquo; من أجل إنقاذ أوروبا، وسيكون الحديث عن المساعدات الخارجية أشبه بلعنة فعلية خلال هذه السنة الانتخابية، فأكثر ما يتمناه الرئيس باراك أوباما في عام 2012 هو أن يتماسك الأوروبيون وأن يتجنبوا إغراق العالم في حالة من الركود قبل الانتخابات الأميركية في شهر نوفمبر.
مع تركيز الولايات المتحدة على شؤونها الداخلية، سيتطلع البعض إلى الصين للحصول على الأموال وحس القيادة المفقود، إذ بدأ هذا التوجه يظهر بكل وضوح منذ السنة الماضية، عندما أنهى المسؤولون الأوروبيون قمة للاتحاد الأوروبي من خلال التوجه مباشرةً إلى بكين، في محاولةٍ مهينة وفاشلة لإقناع الصين بوجود مصلحة لها بشراء المزيد من الديون الأوروبية.
لكن ستقضي القيادة الصينية، برئاسة الحزب الشيوعي، معظم فترات هذه السنة وهي تناضل لتعزيز موقعها؛ صحيح أن هوية الرئيس الجديد ورئيس الحكومة الجديد معروفة (من المنتظر أن يتولى كل من شي جين بينغ ولي كه تشيانغ هذين المنصبين على التوالي)، غير أن شغل المناصب الأقل مستوى لا يزال متاحاً أمام الشخصيات المختلفة، وسيزداد التركيز الصيني على الشؤون المحلية بسبب التوتر المتزايد نتيجة الاضطرابات السياسية والاقتصادية الحاصلة محلياً.
لقد شعرت القيادة الصينية بالذعر حتماً بسبب أحداث الربيع العربي، ولا شك أن التظاهرات الأخيرة في موسكو احتجاجاً على نتائج الانتخابات أزعجت بكين أيضاً.
في غضون ذلك، تبرز مخاوف من تزايد معدل التضخم وانهيار أسعار المنازل وتنامي الاضطرابات الاجتماعية في مناطق التصنيع في الصين، وقد يعني ذلك أن المرحلة الانتقالية التي ستشهد تغيير القيادة الصينية ستكون حيوية ومثيرة للجدل أكثر مما يظن الجميع. لكن هذا الوضع سيعني أيضاً أن الصين لن تكون مستعدة لتخصيص جهود كبرى بهدف تعزيز تعاونها الدولي.
في عام 2012، يمكن أن نراقب السياسة العالمية لمجرد الاستمتاع بمسار الانتخابات، لكن من الأفضل ألا يتأمل أحد بإيجاد حلول للمشاكل العالمية في هذه السنة!