بسام البدارين

الإحتفال بنجاح الخطة الأمنية التي تحقق أهدافها بضرب الحراك الشعبي الأردني وتفتيته خلال ثلاثة أشهر بقي منها عدة أيام فقط أشبه برقصة على الجراح سبق أن عشنا معها وعانينا منها في مشهد متكرر ومجتر بطريقة مملة.
عام 2007 إحتفل القوم في المربع الأمني تحديدا بتزوير الإنتخابات وقتها بنعومة بالغة وبدون كلفة من أي نوع فالشعب المسالم الهادىء علم بالمسألة لكنه مرر التفاصيل وتشكل برلمان مزور بدون فوضى ولا إحتقانات.
وجهابذة التزوير في غرفة العمليات آنذاك وجدوا طبعا من يشاركهم رقصة إرتكاب الجريمة بدون وجود {أدلة جنائية} وتحالف المستفيدون الإنتهازيون مع الجهلة في مستوى إدارة الدولة للإحتفال معا فمرت عملية التزوير ببساطة وسكينة حتى وصل الأمر إلى أن يتمازح القوم في مسألة التزوير على موائد العشاء السياسي فمدير مخابرات تلك المرحلة وفي سهرات الليل كان يتفاخر بأنه أخذ من فلان خمسة الاف صوت ووضعها في صندوق علان وبعض النواب تسابقوا في طرح السؤال التالي على الرجل نفسه أمام الاخرين: بالله عليك يا باشا كم صوتا زورت لي؟
أحد هؤلاء قال للباشا علنا: أرجوك باشا إنصفني أمام الأخوان .. يقولون أنك زورت لي خمسة الاف صوت وأنا أقول ثلاثة الاف فقط ما هي الحقيقة؟... طبعا يضحك الجميع على أساس أن العبقرية الأمنية المرعبة والمهنية حولت تزوير إنتخابات عامة من جريمة بحق الوطن إلى تسلية او نكتة في السهرات السياسية.
وقتها وصل البؤس البيروقراطي إلى درجة لا تصدق فقد أعلن رئيس الحكومة الذي زورت الإنتخابات في عهده بأن من زورها هو وزير داخليته ودون علمه وفي غرف العمليات وبالتعاون مع أحد ما في الأجهزة الأمنية .. هذا الكلام نشر في صحيفة الرأي الحكومية ولم يخترعه أحد وسمعته أنا شخصيا لاحقا من الرئيس معروف البخيت عندما زرته برفقة أحد الزملاء.
لاحقا وفي إنتخابات 2010 المزورة أيضا وصل البؤس لدرجة لا تطاق فاصحاب المعالي والألقاب والباشوات كانوا يتسابقون في إقناعنا علنا بالمعادلة التالية: بصراحة التزوير أذكى هذه المرة وأقل ولم يحصل بكل الدوائر الإنتخابية من أجل العدالة ... تخيلوا الفرق يتعلق بحجم التزوير.
لكن مظاهر البؤس السياسي صورة طبق الأصل عن ما يحصل دوما فمدير المخابرات الذي زورت في عهده إنتخابات 2010 وعندما هاجمه أحد نواب البرلمان لم يستطيع إبتلاع الموقف فإندفع يتحدث عن تفاصيل التزوير بين الناس فقط لكي يثبت بأن من هاجمه تلقى المساعدة أيضا رغم أن المقصود تعرض لمؤامرة علنية من الباشا حتى يتم إسقاطه.
وطوال مراحل التزوير ثمة من رقص بكفاءة على جثة مصلحة الوطن وثمة من فلسف المسألة ونظر لها وزينها لصاحب القرار وكأن الشعب الأردني ليس أكثرمن خراف في مزرعة ولا يتمتع بأي ذكاء أو ذاكرة.
وفي الحالتين سحب المتشدقون من رصيد النظام نفسه وهم يبلغون الشعب بأن مؤسسة القصر الملكي ضامنة لنزاهة الإنتخابات ..بالمقابل لا يريد أحدا أن يعترف بان التزوير الفاضح بالحالتين لا يدلل فقط على أداء مراهق لمن حكموا الدولة بالمرحلتين بل يدلل على حجم الإحتقان والخراب والدمار الذي تعايشه الدولة اليوم بكل الإتجاهات وبسبب التزوير الفاضح.
اليوم للأسف يحصل شيء مماثل في بلادنا فبعض الأدعياء والمنافقين والجبناء يصفقون بسذاجة لما يسمى بخطة أمنية محكمة ستقضي على الحراك الشعبي بثلاثة أشهر والجميع يغيب عن الوعي ولا يريد أن يسأل: طيب.. قضينا على الحراك عبر سلسلة من المؤامرات والتحركات ماذا سيحصل بعد ثلاثة أشهر؟...أين سيتخزن الإحتقان الذي يعبر عنه الحراك؟.
حتى رئيس الوزراء الحالي له رأي معاكس فالرجل يؤكد بأن مسببات الحراك ستبقى موجودة حتى لو أجريت إنتخابات لهذا العام.. يتحدث حصريا عن الفقر والبطالة والفساد وغياب الإصلاح.
نحترم المنطوق الأمني ونشعر بضيق الناس أحيانا من تعطل مصالحهم بسبب المسيرات والإعتصامات ونتفهم الضغوط التي يواجهها النظام داخليا وخارجيا ونؤمن بإحتراف النخبة الأمنية الحالية ونزاهتها لكن نرى بأن بقاء المعالجة {الأمنية} فقط للحراك بدون مسار سياسي كارثة حقيقية نترقبها خصوصا بعدما تغيرت الدنيا بفعل الربيع العربي.
إذا نجحنا بضرب الحراك وتقليم أظافر الإسلاميين.. ماذا بعد؟... كيف سنعالج أسباب الحراك؟