عبدالحميد الأنصاري

استقبل العالم العام الجديد بأعياد ومزيد من الأفراح، واستقبله السوريون بالذبح ومزيد من الأحزان، راهنت الجامعة العربية على دخول المراقبين العرب حلاً للأزمة وردعاً للنظام السوري من الاستمرار في القتل، لكن النظام لم يأبه بالمراقبين وجامعتهم، ولم يأخذ المبادرة بأي جدية فاستمرت آلة القتل تحصد بشكل أكثر ضراوة المزيد من المتظاهرين، وبمعدل أعلى من قبل. وهكذا وبحضور المراقبين استمر مسلسل القتل على مشهد من العرب والعالم، فالأيام الماضية أثبتت صحة ما قلناه من أن هذا النظام لا يرى عهداً، ولا يلتزم اتفاقاً، ولا يحترم توقيعاً، ولا يعمل حساباً للعرب ولا لجامعتهم ولا لعقوباتهم، كما أكدت صحة المقولة: إن الجامعة العربية في كل تاريخها الطويل أعجز من أن تحل قضية عربية واحدة، وأن الحل العربي هو من الأحلام العربية البعيدة، وأنه لا حل للقضية السورية إلا بالتدويل ونقل الملف إلى مجلس الأمن، فهذا هو الشيء الوحيد الذي يخشاه النظام السوري. قدم الشعب السوري في سبيل حريته منذ ثورته في 15 مارس أكثر من 7 آلاف شهيد وآلاف الجرحى والمفقودين، ومئة ألف معتقل يعذبون في السجون، وأعداد الشهداء في تزايد بمعدل 44 شهيداً في اليوم تحت أنظار المراقبين العرب، ومع ذلك تصر الجامعة مع بقاء بعثتها شهراً، فكم سيصل عدد الضحايا؟!
أصبح الجميع اليوم على قناعه تامة بأن المبادرة فشلت في تحقيق هدفها الرئيس: حماية الشعب السوري ووقف القتل، بسبب مراوغات وألاعيب هذا النظام المخادع الذي استطاع أن يفرغ المبادرة من مضامينها، ووقع البروتوكول مرغماً وبشروطه وفرض إملاءاته على الجامعة وأمينها، وقيد تحركات المراقبين، واستطاع أن يخفي معالم جريمته قبل قدوم المراقبين إلى المسرح ليقنعهم بروايته المكررة من أنه لا يقتل الشعب، وأن ذلك من فعل العصابات المتشددة المتسللة من لبنان!
أصبح النظام مكشوفاً أمام العرب والمجتمع الدولي، وحده الأمين العام مازال يدافع ويبرر ويصرح بأن النظام سحب آلياته العسكرية وأطلق سراح المعتقلين، لكن القنص مستمر ولا يعرف الأمين العام مصدره! تناسى الأمين العام أن المعلم سخر منه بالأمس قائلاً: إنه لا يشرفه التعامل معه، وإن النظام إذ سحب آلياته من منطقه فإنه نقلها إلى أخرى أو أخفاها مؤقتاً لتعود مرة أخرى، وإنه إذ أطلق سراح بعض المعتقلين فإنه سيعود لاعتقالهم، وإن هناك عشرات الألوف منهم في أماكن يستحيل على المراقبين الوصول إليها. وإذا كان الأمين العام لا يعرف مصدر القنص، فيكفيه أن يشاهد الشرائط االمصورة، ولا داعي لتكبد العناء والنفقات بإرسال المراقبين! أخشى بعد تقرير الفريق الدابي أن يردد العربي نفس الأسطوانه السورية من أن الأشباح المتسللة هي التي تقتل المتظاهرين!
العربي لم يكتف بهذا التصريح الذي كذبته الحقائق على الأرض كما كذبه الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن الجيش السوري لم ينسحب بشكل حقيقي من الشوارع والمدن، بل إنه مازال يدافع عن رئيس بعثته الفريق الدابي، ويصر على أنه ldquo;عسكري كفء ويتمتع بسمعة طيبةrdquo; في الوقت الذي يجمع فيه نشطاء حقوق الإنسان على أنه أسوأ اختيار لرئاسة أخطر بعثة في تاريخ الجامعة، وتكفي نقرة على النت لتعرف تاريخ وماضي هذا الرجل ldquo;الطيب السمعةrdquo;. يقول داود الشريان: إن اختيار هذا الرجل لا يعد خطأ إدارياً فحسب، بل هو فضيحة للجامعة؛ لأن المهمة تتعلق بحقوق الإنسان وسيرة الرجل لا تسرّ، وهو لن يكون منصفاً لسبب بسيط، إن إدانته للنظام السوري ستكون دليلاً ضده حين تكون محاكمته مستقبلاً في جرائم دارفور.
ويقول عنه السفير السوداني السابق د. علي حمد إبراهيم: ldquo;يبدو غريباً ألا تصل تلك الشكوك والشبهات حول ماضي الجنرال إلى مسامع الجامعة، وهي شكوك وشبهات كانت ومازالت ترفع بأعلى النبرات، وكان هذا وحده سبباً كافياً لرفع اسم الجنرال من قائمة المراقبينrdquo;.
وبطبيعة الحال لا أحد ينكر خبرة الرجل في رئاسة الاستخبارات السودانية التي شهدت في عهده إعدام وتعذيب واختفاء المعارضين فترة الصراع في جنوب السودان، ووثقتها منظمة العفو الدولية في التسعينيات، ولا أحد يجادل في كفاءة الرجل في الإشراف على حملات مكافحة التمرد وملاحقة المعارضين لنظام البشير، ولا أحد يشكك في نجاحه في إنشاء ودعم ldquo;الجنجويدrdquo; العربية التي ارتكبت مجازر في دارفور، وسيرته حافلة بما يشهد على كفاءته في خدمة نظام البشير، وبأنه كان دائماً مبعوثه في المهمات المناهضة لحقوق الإنسان، حتى إن مجلة ldquo;فورين بوليسيrdquo; قالت عنه إنه ldquo;أسوأ مراقب لحقوق الإنسانrdquo;.
هذا هو ماضي الرجل الذي اختارته الجامعة لرئاسة بعثة هي الأولى من نوعها في تاريخها، فهل هو حقاً طيب السمعة؟! ولدى من؟! لماذا يعمد الأمين العام إلى اختيار شخص تحيطه الشكوك والشبهات لرئاسة بعثة تراقب حقوق الإنسان؟! ولماذا يختار شخصاً لا يحظى بمصداقية لا لدى السودانيين ولا المعارضة ولا المجتمع الدولي؟! ولماذا أختار شخصاً، أضطر للدفاع عنه فيما بعد، إذا كنت أريد نجاحاً لمهمتي؟!
يقول حسام عيتاني: الاستغراب هو أقل ما يمكن التعبير عنه عند الاطلاع على سيرة الفريق الدابي، إذ كيف يمكن تصور تولي رجل- قضى جزءاً كبيراً من حياته المهنية في استخبارات البشير وأشرف على تأسيس وتسليح ldquo;الجنجويدrdquo;ndash; رئاسة لجنة تراقب تنفيذ اتفاق وقعته سلطة تتحاذى مع الخرطوم في القمع؟! أما منظمة العفو الدولية فقالت: ldquo;قرار الجامعة تكليف فريق بالجيش السوادني ارتكبت في عهده انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، رئاسة بعثة المراقبين يقوض جهود الجامعة ويضع صدقية البعثة محل شك بالغrdquo;. وتساءل الشريان عن دوافع الجامعة في اختيار الدابي، ورأى أن النظام السوري فرض شروطه سواءً في تشكيل اللجنة وفي اختيار الدابي لرئاستها، وأكد عبدالعزيز السويد أن السلطات السورية فرضت أسلوبها، أما مشاري الذايدي فرأى أن البشير هو من رشح الدابي للجامعة التي أخذت بدورها الموافقة السورية على اسمه.
ولكن مهما تكن كفاءة الرجل في هذا الميدان إلا أن الجميع متفقون على أن الجامعة جانبها التوفيق في هذا الاختيار لأن المعيار الحاكم هنا يجب أن يكون للسمعة والمصداقية، وهما أهم من الخبرة والكفاءة.
والسمعة أحياناً أهم من الحقيقة، إذا تغاضينا عن ماضي الرجل لأن أداءه منذ وطئت قدماه سورية يهز مصداقيته، إذ هرع أول هبوطه دمشق ليشاهد مسرحية التفجير التي نسبها النظام للقاعدة ليؤكد أسطوانته من أن الاغتيالات من فعل العصابات الخارجة لا النظام الوديع المفترى عليه من الإعلام العربي المتآمر! وثاني المآخذ تصريحه المثير عقب اجتماعه بالمعلم بأن الموقف هادئ والأمور مبشرة والنظام متعاون، أما ثالثة الأثافي فتصريحه غداة زيارته إلى معقل المعارضة وعاصمة الثورة حمص التي سقط فيها ثلث الشهداء، بأنه لم ير ما يخيف والحالة مطمئنة! والذي ذكرنا بمقولة عادل إمام في مسرحية ldquo;شاهد ما شافش حاجةrdquo;.
العالم رأى على امتداد 10 أشهر أشياء مرعبة والدابي لم ير شيئاً! صرخات واستغاثات الشعب صمّت الآذان وأشرطة الناشطين وصلت إلى كل المعمورة والجنرال لا يرى ولا يسمع!
يقول طارق الحميد: إن ما يحل من أحداث دامية في سورية لا يتطلب مراقبين، فقد وثقته المنظمات الحقوقية وكانت الجامعة في غنى عن تكبد الجهد والنفقات وإرسال مرافقين لمعرفة حقيقة الأوضاع هناك، ومما زاد الطين بلة مسلكيات الجنرال مع المحتجين.
استمع إلى حمد الماجد يقول ldquo;شاهدنا الدابي يمشي بين المحتجين متبختراً مكفهر الوجه نافخ الصدر كأنه يستعرض طابوراً عسكرياً مشيحاً بوجهه عنهم، يكلمونه ولا يكاد يرد على صرخاتهمrdquo;.
وتضيف أمل عبدالعزيز الأهواني: أن المراقبين ظهروا كالإنسان الآلي بلا مشاعر! والحاصل حتى اليوم أن النظام لم ينفذ من البنود العشرة للبروتوكول الذي وقعه إلا بنداً واحداً وبشروط مهينة، واستمر القتل في تحدٍّ سافر للجامعة ومراقبيهاhellip; فيا أيتها الجامعة كفى ذلاً ومهانة واستخفافاً بمبادرتك، واسحبي بعثتك وردي اعتبارك، كما طالب الدقباسي رئيس البرلمان العربي، وارفعي غطاءك عن نظام فاقد للشرعية والمصداقية.