خلف الحربي

في كل حدث كبير تكون الضحية الكبرى فلسطين وأهلها، حدث ذلك في حرب تحرير الكويت حين اتخذ ياسر عرفات موقفا مناصرا لصدام حسين دفع الفلسطينيون ثمنه غاليا، وحدث ذلك أيضا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حين أطلقت الولايات المتحدة يد شارون في الأراضي المحتلة وصدرت قوانين دولية تعتبر أي دعم للمقاومة الفلسطينية دعما للإرهاب، واليوم يتضح أن الفلسطينيين هم الخاسر الأكبر في الربيع العربي حيث غابوا تماما عن شاشات الأخبار وأصبحت الشعوب والحكومات العربية مشغولة بمصائبها الخاصة وبدأت إسرائيل بتنفيذ مخططاتها الاستيطانية وقطع خطوات عملية من أجل تهويد القدس.
ومايزيد الطين بلة حالة الإنقسام الفلسطيني، ففلسطين أول دولة في العالم تتعرض للتقسيم قبل تحريرها، وقد فوت الفلسطينيون فرصا تاريخية لرأب الصدع الذي يضعف موقفهم ومن أبرز هذه الفرص اتفاق مكة برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وهو الاتفاق الذي لم يعش طويلا بسبب تعصب كل طرف لموقفه، وكانت نتيجة هذا الخلاف العميق أن انفردت السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية بينما انفردت حركة حماس بقطاع غزة.. فكان هذا أقصى ما تتمناه أسرائيل !.
واليوم ليس ثمة طوق نجاة أمام الشعب الفلسطيني سوى الثورة على حالة الانقسام التي لن تؤدي إلا إلى المزيد من الضياع، فالسلطة الفلسطينية لن تستطيع أن تفعل شيئا وهي بالكاد تسيطر على بضعة كيلومترات في الضفة الغربية وكذلك الحال بالنسبة لحركة حماس التي لن تذهب بمقاومتها بعيدا ما دامت معزولة ومحاصرة داخل قطاع غزة، وإذا لم يصنع الشعب الفلسطيني (ربيعه) الخاص ضد هذه الحالة المزرية فإنه سيخسر حتى بصيص الأمل بدولته المستقلة التي كافح عشرات السنوات من أجلها. لو حاول الفلسطينيون التعلم من عدوهم الإسرائيلي لوجدوا أن إسرائيل تحتضن الخلافات الحادة بين الأحزاب الدينية المتعصبة والأحزاب العلمانية من أجل مصلحة إسرائيل العليا، حيث تتشكل الحكومات الائتلافية من الأحزاب المتناقضة في أفكارها وأهدافها، فكم من مرة رأينا رئيس وزراء إسرائيل يقبل بمنصب وزير الخارجية إذا خسر حزبه الانتخابات وكم مرة رأينا رئيس الحزب المنتصر يتوسل الأحزاب الرافضة لتوجهاته من أجل الانضمام لحكومته الائتلافية، لأن الهدف هنا ليس الاستئثار بالسلطة بل الحفاظ على وحدة الكيان الإسرائيلي والإيمان بأن الخلاف هو من طبيعة البشر ولكن ذلك لا يعني الانقسام أو التشرذم الذي سوف يصب في نهاية الأمر لمصلحة الخصوم.
اليوم يسير الشعب الفلسطيني وحيدا معزولا بلا قيادة موحدة ولا عالم عربي ذي ملامح واضحة، بينما إسرائيل تعيش في أفضل حالاتها بفضل حالة الانقسام الفلسطينية وتورط الجيران العرب بمشاكلهم الداخلية، وإذا لم يعثر الفلسطينيون على حل سريع لهذه المعضلة التاريخية فإنهم سيتعرضون لخسائر لا يمكن تخيلها، وإذا كان لقاء فتح وحماس مستحيلا فإن البحث عن مظلة ثالثة توحد الشعب الفلسطيني قد يكون أفضل من التعايش مع هذا الموت البطيء !.