جهاد الخازن

الشعوب العربية تعيش حالة غير مسبوقة من الغليان، فهناك ثورات، وهناك خطر قيام ثورات مضادة، ولعل بعضها قام، ولم يبقَ أحد على الحياد، فالناس مع هذا أو ضد ذاك، والويل لكاتب مثلي يقيم في الخارج ويحاول أن يكون موضوعياً منصفاً، من دون أن أدعي النجاح فكل ما أزعم هو أنني أحاول.

على امتداد السنة الماضية كتبت عن سورية أكثر مما كتبت عن أي بلد عربي آخر، وكله موجود ومحفوظ عندي وفي أرشيف laquo;الحياةraquo;، إلا أن القاسم المشترك بين المعارضين السوريين تهمة laquo;لم تكتب عن سوريةraquo; وبعدها تهمة laquo;تمجيد النظامraquo;. وعندما أعرض على قارئ ما كتبت أو ربما ما فاته، وعندما أطلب من قارئ آخر أن يعطيني أمثلة على laquo;التمجيدraquo; لا أسمع جواباً.

في جميع الأحوال، طالبت في كل مقال لي عن سورية منذ بدء الأحداث في درعا بوقف القتل ودنته بوضوح ولو كان قتيلاً واحداً لا عشرة أو عشرين أو أكثر. ثم يتجاوز قارئ معارض لا يرى غير رأيه، هذا الموقف الواضح ليطلع منه إلى ما يريد. والاستثناءات الطيبة موجودة إلا أنها قليلة.

النقطة هذه مهمة جداً لأن المعارض يزعم أنه يريد إنهاء ديكتاتورية الحاكم والحزب لنشر الديموقراطية والحرية والعدالة للجميع، ثم لا يتحمل رأياً مخالفاً فهو ينتظر دوره لممارسة الديكتاتورية التي يحاول أن يفر منها. لا أصر إطلاقاً على رأي ولكن أصر على حقي في إبدائه.

ومن سورية إلى السعودية ورسالة منشورة في بريد القراء من قارئ اسمه فهد المطيري هي laquo;العرب المستعربة أنتم. نحن أصل العرب والإنسان السامي، وأم البشر حواء وأبونا آدم التقيا في عرفات ثم توالد جميع البشر، وقبرها إلى الآن في جدة يا مستعربraquo;.

أنا مستغرب، فقد عدت إلى مقالي في 22/12/2011 ووجدت أنني أتحدث عن دراسة جامعية عن اندثار اللغات، وقلت: laquo;إن اللغة العربية أكثر لغة مضمونة البقاء في العالم فهي لغة القرآن الكريم، والإسلام هو الدين الوحيد في العالم الذي يزيد أتباعه بدل أن ينقصوا ككل دين آخرraquo;.

كيف أغضب هذا الكلام السيد المطيري؟ أعتقد أنه يصلح للعمل معارضاً سورياً. ويعوضني عنه أن قارئة laquo;مطيريةraquo; هي بين الأذكى والأخف دماً والأعلى تعلماً من القراء الذين أتراسل معهم بانتظام.

ومن سورية والسعودية إلى مصر، أو إلى طبيب مصري يقيم في كندا اسمه عامر شطا، وكلامي التالي موجه إلى القراء، لأنني أرفض مخاطبة هذا القارئ بعد أن نسب لي ما لم أقل في السابق، وعاد إلى الأسلوب نفسه في رسالة منشورة في بريد laquo;الحياةraquo; بتاريخ 19/12/2011. لذلك، كان هذا الرد إلى القراء قبل أن يصدقوه.

هو نقل عني laquo;كتبت في هذه الزاوية أن الانتخابات الأخيرة في حكم مبارك غير صحيحة وطالبته بإعادتهاraquo; ويقول إنني انتقدت الانتخابات على استحياء laquo;ولكن، لم تقل أبداً إنها كانت مزورة أو غير صحيحة ولم تطلب إعادتها في هذه الزاوية، وسوف أقدم اعتذاري إذا واجهتنا كقراء بما كتبته باليوم والتاريخraquo;.

مرة أخرى أخاطب القراء ولا أخاطب هذا القارئ الذي سبق أن بلغته في رسالة خاصة أنني قررت مقاطعته لأنه اعتاد أن ينسب لي ما لم أقل.

في 22/12/2010 قلت حرفياً: laquo;بالمناسبة، أنا كتبت قبل ظهور نتائج الانتخابات ولم أتوقع أبداً ألا يفوز الإخوان المسلمون بأية مقاعد، وأتمنى لو أن الرئيس يحل المجلس الجديد ويأمر بإجراء انتخابات جديدةraquo;.

وكررت نشر ما سبق في مقال لي عن بريد القراء في 6/2/2011، وكتبت بينهما في 1/2/2011 حرفياً: laquo;ونقول غلطة الشاطر بألف وكانت غلطة الرئيس مبارك الانتخابات النيابية الأخيرة، فعدم فوز الإخوان المسلمين بأية مقاعد لا يعني سوى أن الانتخابات مزورة، وفي حين أنني شخصياً لا أريد أن يحكمني شيخ الأزهر أو بابا الإسكندرية، فإنني فوجئت بنتائج الانتخابات وكتبت أن من غير المعقول أن يعجز مرشحو الإخوان عن انتزاع مقاعد كثيرةraquo;.

وهكذا، فأنا لم أكتب مرة عن تزوير الانتخابات وإنما ثلاث مرات شرحت فيها أسباب اعتراضي على النتائج. والرسالة المنشورة للقارئ شطا تنتهي بتذكيري والقراء بمقالي في 30/11/2010 وعنوانه: laquo;سياسة الإخوان جعلتني أفضل الحكومةraquo;، فهو تجاوز قولي في الفقرة الثانية حرفياً: laquo;لست مغروماً بالحكومة المصرية فهناك فساد باقٍ، وفي حين أن الحكومة حققت إنجازات اقتصادية طيبة، فإن فوائد هذه الإنجازات لم ترشح بعد إلى الفقراء، إذ يبدو أنها تصل إلى حد معين لا تنزل دونهraquo;.

لا أريد من القارئ شطا أن يعتذر أو يتراجع عن شيء، وإنما أرشحه لدور في المعارضة السورية.