يعقوب أحمد الشراح

احتفل العراق منذ أمد قصير بخروج القوات الاميركية من اراضيه بعد سنوات قدمت اميركا خلالها كل الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي للعراق من اجل ان يستعيد عافيته وحياته بعد حكم صدام وزمرته الذي دام اكثر من 25 سنة من القهر والاستبداد ودفن الناس احياء في مقابر جماعية. ان خروج القوات الاميركية بكل معداتها وافرادها من العراق يعني التزام العراق بالدفاع عن نفسه امام كل خطر داهم يقع عليه سواء من الداخل او الخارج، وان يعيد بناء مؤسساته، ويحترم عهوده ومواثيقه مع الدول من خلال اتفاقياته مع المنظمات الدولية وقرارات الامم المتحدة.
ان الخطر الاكبر الذي سيجعل العراق في دوامة العمل على تجنبه تلك التي تتعلق بالحرب الطائفية التي تنخر في جسده وتحتاج إلى عمليات جراحية تعالج كل اختلال يصيب هذا الجسد الذي لا يقوى على التحرك والتطور، خصوصا وان السنوات الماضية شهدت تصاعد وتيرة النفس الطائفي بين السنة والشيعة، واستخدمت تفجيرات كانت ومازالت تُنسب إلى السنة او القاعدة، واحيانا تأتي ردات فعل من الشيعة في مواجهة الصراع الطائفي الذي يدور حول الحكم والسلطة وصراع الاقطاب، فبوجود اميركا في العراق لم تكن التفجيرات والقتل موجهة للجنود الاميركيين بقدر ما كانت تستهدف المدنيين من العراقيين!! وبعد خروج الاميركيين زادت معدلات هذه التفجيرات.
الآن، وبعد خروج القوات الاميركية يظل السؤال العالق في الذهن، هل كانت التفجيرات والحروب الداخلية الطائفية الدائمة إلى هذا اليوم - سببها كما يقال - الاحتلال الاميركي للعراق؟ وهل خروج القوات الاجنبية يعني توقف حقن دماء العراقيين على ايدي الارهابيين والبعثيين في الداخل او الخارج؟ ان الايام المقبلة وما سيحدث فيها من امور ستشكل الصورة الحقيقية لعراق ما بعد الاحتلال الاميركي.
التحليلات السياسية تشير إلى ان اميركا لن تكون غائبة عن المنطقة بعدما خرجت قواتها من العراق، فمن مصالحها الحفاظ على العراق ودول المنطقة من اجل تأمين مواردها من الطاقة. فهي لم تضحِ بأبنائها في حرب العراق من اجل سواد عيون اهل العراق، وانما عملت وفق سياساتها ومصالحها المبنية على استتباب الامن في المنطقة، الاستقرار العالمي الذي له اهمية في ارساء قواعد النظام العالمي الجديد، ان اميركا لا تحتاج ان تكون متواجدة على ارض العراق فهي متواجدة في المياه البحرية ولها قواعد عسكرية في دول مجاورة تجعلها متابعة بشكل دقيق لتقلبات الاوضاع في العراق. فلن يثنيها شيء عن العودة للعراق إذا ما تطلب الامر وتدهور الوضع السياسي والامني في هذه الدولة ذلك.
نتمنى ان يسعى العراق في المرحلة المقبلة من تاريخه إلى بناء علاقات حسن الجوار مع الدول المجاورة، وان يعمل على استتباب الامن في مختلف مدنه، ويساهم في تقوية علاقاته الدولية المبنية على الاحترام وعدم التدخل في شؤون الغير، فما حدث اخيرا من تصاعد المواجهات بين اقطاب الحكم في العراق دليل واضح ان العراق مقبل على ازمات اشد في المستقبل.