سمير عطا الله


بعد عام على الثورات العربية أو الربيع العربي أو أي نعت يخطر لك لوصف ما حدث، فلنسجل ظواهر مهمة؛ الأولى: أن جميع الرؤساء كانوا يعتقدون أنهم الأكثر أمنا واستحكاما، خصوصا الرئيس الأول، أي زين العابدين بن علي. الثانية: أنه بعد سقوطه، قال جميع الرؤساء الآخرين إنهم مختلفون عنه، وإن العاصفة لن تطالهم: مبارك قال إنه ليس بن علي، والقذافي قال إنه ليس مبارك أو بن علي، وصالح قال إنه ليس بن علي ولا مبارك ولا القذافي، والأسد قال إنه ليس بن علي ولا مبارك ولا القذافي.

الظاهرة الأخرى والأهم أن أخطر وأعتى مخابرات الأرض أخفقت في استقراء ما حدث: الـlaquo;سي آي إيهraquo; فوجئت بسقوط نظام محكم في تونس ونظام حليف في مصر؛ لذا تدخلت أميركا لتشارك في إسقاط التهريج الدموي في ليبيا. والمخابرات المصرية العريقة أخفقت في إطلاع مبارك على ما يجري على بُعد 500 متر من حوله. ومخابرات بن علي، التي كانت تحصي الأنفاس في الشوارع، نسيت أن تحصيها خلف الجدران وفي ساحات البطالة وعربات الثمار. والمخابرات السورية كانت تبلغ الأسد أن المسألة لا تتعدى بضعة مسلحين تدعمهم laquo;14 آذارraquo; في لبنان، بينما laquo;14 آذارraquo; غير قادرة على حماية عودة زعيمها إلى بيروت.

ازدهرت نظريات تقول: إن الربيع العربي من صنع الأميركيين. ولعلها تهمة وشرف لا يستحقانه. ففي تونس ومصر وصنعاء كانت واشنطن تعتمد على ركائز استراتيجية في السياسة وفي الجغرافيا. وفي البحرين اضطرت إلى مسايرة المعارضة على الرغم من معرفتها أنها لن تلقى كلمة شكر حتى لو نزلت بنفسها إلى دوار؛ فالمظاهرات في المنامة بدأت أولا ضد السفارة الأميركية وليس ضد الحكومة. الذي لا يقر به أحد هو أن التداعي الذي حدث قد فاجأ الجميع، خصوصا الذين يفترض ألا يفاجأوا، أو على الأقل ألا يغفلوا. والذين لم يعلموا بالأمس لا يعلمون اليوم؛ لذلك تتلمس الدول المعنية علامات وإشارات المستقبل. وتركيا التي كانت مندفعة ضد سوريا تحذر الآن من الانفجار الطائفي في العراق بما قد يؤثر على أمنها الداخلي. لقد تذكر الجميع فجأة أننا إقليم من الألغام. وقد كتبت غير مرة معترضا على استخدام كلمة laquo;الإقليمraquo; التي أدرجها محمد حسنين هيكل؛ فهو يستخدمها بمعنى المنطقة، أما معناها الأصلي فهو المناخ.

ونحن الآن في مناخ ساخن ومتفجر وقابل للاشتعال في كل مكان؛ لأن الرياح عاتية والبوصلة تدور في الاتجاهات كلها. وثمة ملاحظة أخرى: لو كان الذين نظن أنهم يعرفون حقا يعرفون، لكانوا اليوم أسعد حالا.