عمر العمر


الرهان على نظام البعث للخروج بالشعب من مستنقع الدم السوري خيار خاسر. القراءة الأحادية بعين واحدة للأحداث تدفع لجهة التوغل في الدم. بين النظام والمعارضة بون شاسع في النظر إلى ما يحدث. النظام يشدد على اعتبارها مؤامرة. المعارضة تراها ثورة. النظام يستثمر في كل الفرص الافتراضية للمضي في طريقه المسدود. هكذا يتراجع مع كل فرصة واقعية ممكنة لوقف نزيف الدم خطوتين إلى الوراء. دمشق تستثمر حالياً في التقرير المبتسر من قبل المراقبين العرب.

الرهان على الفريق العربي مثل الرهان على النظام السوري. بروتوكول المراقبين نفسه خطوة إلى الوراء في سياق جهد الجامعة العربية لوقف حمام الدم السوري. البروتوكول فصل من مبادرة متكاملة. دمشق قبلت استقبال المراقبين العرب ضمن مراوغة الزمن والضغط القومي لتفريج وضع قطري متأزم.

الرهان على النظام السوري من أجل تخليق بيئة سياسية ديمقراطية حقيقية خيار خاسر. الدولة السورية الحالية انتاج نصف قرن من الاستبداد والقمع المكرسين بمؤسسات عسكرية وأمنية وسياسية غليظة صماء. المؤسسات الثلاث ظلت تتشبع على مدى العقود الخمسة بايديولوجيا عتيقة ضيقة الأفق والصدر. على مدى خمسين عاماً ظلت ماكينة إعلامية تغذي عقول الأجيال طحيناً غثاً لا طعم له ولا رائحة مما أفقد قطاعاً عريضاً من الشعب شهية الإقبال على الحياة. الواقع السوري المتكلس أنتج طبقة سياسية لا ترى أبعد من أرنبة مصالحها الشخصية.

الرهان على المراقبين العرب خاسر إذ يبنى على فريق فقير في القدرات الإنسانية والإمكانات المادية. الوفد جاء في بنيته انعكاساً لمرايا الأنظمة العربية وجامعتها. إذا حاز تقرير المراقبين على رضا النظام السوري واستثار غضب المعارضة فتلك نتيجة منطقية لتشكيل الوفد وطبيعة مهمته العزلاء من أبسط مقومات الأداء الناجح.

الفريق العربي لم يبرئ النظام علناً ولم يجرمه. انتشار المراقبين العرب لم يفرز عنصراً سياسياً في دماغ النظام أو عاطفته بغية تحريك الآليات العسكرية. على نقيض الرهان المأمول تصاعدت معدلات القتل بالتزامن مع وجود المراقبين. تلك هي الرسالة القطرية الرسمية الأولى على المهمة القومية.

الفريق العربي لم يقدم الحماية للمتظاهرين. أكثر من ذلك اخفق تقرير المراقبين في منح المتظاهرين دعماً سياسياً أو حتى مساندة أخلاقية. الفريق ذهب أبعد من ذلك فدمغهم بالعنف والقتل.

الرهان على النظام لجهة اختزال زمن الأزمة وعبور بحر الدم إلى ضفة آمنة خيار خاسر. على مدى الشهور العشرة الدامية الأخيرة لم يطرأ على سلوك النظام ما يبشر بعزمه على الدخول في حوار وطني. النظام الاستبدادي لا يؤمن بالآخر المعارض. هو يريد فقط إملاء شروطه باعتبارها حلولاً.

الحديث عن حصر القضية السورية في حكومة وحدة وطنية ليس سوى محاولة عبثية لتضييق واسع. السوريون يريدون نظاماً سياسياً جديداً وليس تشكيلاً حكومياً.

الرهان الحقيقي ليس على النظام أو المراقبين بل على الشعب السوري. التضحيات الشخصية على مدى عشرة أشهر تثبت عزم السوريين على صناعة غد أفضل. ذلك عزم يؤكد أن الشعب السوري لن يرتد إلى الوراء ويتعايش مع النظام القديم.

هروب النظام بالأزمة إلى الخارج رهان خاسر. مثل هذا الهروب يفتح الأفق أمام تدخل الخارج في الأزمة الداخلية.