غازي دحمان

تساءل الكثير من السوريين عن جدوى خطاب رأس النظام، طالما أنه سيكرر المقولات نفسها عن المؤامرة والمخربين وسواهم، وبالتالي لن يسهم في حلحلة الأزمة التي تضرب البلاد منذ حوالي عشرة أشهر، والتي كان من نتيجتها ألاف الضحايا والمشردين والمعتقلين!.
منذ بداية الثورة الشعبية في سوريا، واجهها النظام بخطاب سياسي يرتكز على حزمة من المعطيات، غالباً ما يتم منهجتها بشكل قصدي بهدف خلق خطاب متماسك يواجه السيولة الإعلامية التي صنعها شباب الثورة والحالة الوجدانية المتأتية عنها، وغالباً ما تسهم أجهزة الرصد والتقدير، وهي ذاتها أجهزة المخابرات، في توليف وبناء هذا الهيكل المعطياتي.
وقد إرتكز خطاب رأس النظام الأخير على جملة من المعطيات المحلية والإقليمية في صياغة خطابه، ولعل ما يفسر طول الفترة الفاصلة بين خطاب وأخر مدى توفر معطيات معينة، ومن هذه المعطيات التي إرتكز عليها الخطاب:
ـ حالة الإنقسام الحاصلة في جسم المعارضة السورية وخاصة بعد اللغط الذي حصل عقب توقيع ورقة تفاهم بين المجلس الوطني وهيئة التنسيق.
ـ إنشغال المراكز الدولية (الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا) بالإستحقاقات الإنتخابية الرئاسية.
ـ التأييد الإقليمي الذي يحظى به النظام السوري من كل من حكومات لبنان والعراق وإيران.
خطاب رأس النظام الذي كان ينتظر إكتمال عقد المعطيات، كان من المفترض أن يتم إلقاؤه قبل نهاية العام الماضي، وقد سربت بعض الوفود اللبنانية التي زارت دمشق بعضاً من عناصر هذا الخطاب، حتى أن أحد بعض الناشطين في سوريا نشر على صفحته الإلكترونية نصاً إفتراضياً للخطاب قبل يومين من إلقائه، وللمفارقة فقد جاء الخطاب متوافقاً مع ما جاء على صفحة ذلك الناشط.
الواضح من تحليل خطاب رأس النظام في سوريا أنه ينحو للتشدد تجاه الثورة، وبعد أن يجرد ناشطيها من صفة الثوار، يعد بضربهم بيد من حديد، وتفسير هذا التطور، أن النظام يعتقد أن اللحظة باتت مناسبة لتوفر مناخ إقليمي مؤات، إضافة لما يعتقده النظام من وجود حالة من الإحباط بين جمهور الثوار نتيجة تقرير بعثة المراقبين العرب، وبالتالي فإن هذه الضربة، إضافة إلى كونها مشرعنة طالما أن هناك جهة عربية إعترفت بوجود مسلحين في سوريا، فإنها ستكون قاضية ونهائية.
من جهة ثانية فإن الخطاب الذي ينضح بقيم وقواعد أمنية عديدة يوضح في ثناياه إنتصار التيار الأمني المتشدد جداً والذي ينادي بالحسم الامني مهما بلغت تكاليفه البشرية، وهو ما يعيد البلاد إلى المربع الأول ويحولها إلى حلبة لتنافس الحلول الأمنية وإكتشاف إبداعاتها.
إلى أي مدى تصح توجهات النظام وتوقعاته، تلك مسألة فيها نظر، فالنظام لم يتعامل مع الثورة منذ بدايتها بيد من حرير، ورغم ذلك إستطاعت الثورة تحت أزيز الرصاص الحي الذي يخترق الأجساد وسياط المعتقلات التي تلهب الظهور الإستمرار والتكاثر حتى باتت وعد سوريا المستقبل، والنظام في توجهه نحو التشدد لن يفعل سوى زيادة زخم الثورة وإقناع الذين لا يزالون يقفون على الرصيف بالإنخراط في فاعليات الثورة