سعد بن طفلة العجمي


في أكثر من لقاء مع شخصيات عراقية مسؤولة أكرر سؤالاً: لم يرفض العراق الرسمي الاعتذار للكويت وشعبها عن غزو العراق للكويت عام 1990 وما صاحب ذلك الغزو من ممارسات قمعية فظيعة ضد الشعب الكويتي لأنه رفض الانصياع والخنوع لصدام حسين؟ وماذا يضير العراق أن يقدم اعتذاراً لأشقائه الكويتيين كبادرة حسن نوايا وكعربون ثقة بأن الماضي لن يتكرر، وأن العراق الجديد بريء من تركته الثقيلة الدامية.





ويأتي الجواب مكرراً أيضاً: لا ذنب لنا فيما اقترفه نظام صدام حسين من جرائم ضد الكويت أو إيران أو الأكراد أو غيرهم، فقد كنا جميعاً ضحايا لذلك النظام، فلم نعتذر عن جرائم لم نرتكبها؟

اعتذرت الداخلية العراقية الأسبوع الماضي عما ارتكبته أجهزتها الأمنية ضد المواطنين العراقيين إبان حكم صدام حسين، وجاء في بيان بمناسبة الذكرى التسعين لتأسيس وزارة الداخلية العراقية: quot;يعتذر أبناء القوات الأمنية في وزارة الداخلية إلى الشعب العراقي عن الممارسات التي حدثت خلال حكم النظام السابق المقبور إثر زجهم في ممارساته التي لم تكن من واجباتهم أصلاًquot;. وقد جاء الاعتذار الرسمي العراقي غير مسبوق في ثقافة بناء الثقة ويسجل إيجابيّاً للحكومة العراقية، لكنه يعيد السؤال: لم لا يعتذر العراق الرسمي عما اقترفه جيشه وأيضاً quot;القوات الأمنيةquot; -كما جاء بالبيان- ضد الشعب الكويتي؟ فلقد ذاق الكويتيون ألواناً من العذاب استمرت سبعة أشهر، واعتقل الآلاف منهم وعذبوا وقتلوا ولايزال مئات منهم مجهولي المصير بعدما اعتقلتهم أجهزة المخابرات الصدامية أثناء احتلال الكويت، فالاعتذار العراقي الرسمي للشعب الكويتي مستحق أيضاً لما اقترفته أجهزة العراق الأمنية، وهي الأجهزة نفسه التي ارتكبت شنائع في حق الكويتيين وغيرهم، فلم يتوقف الاعتذار عند العراقيين وحدهم؟

كررت اليابان للصين وكوريا اعتذارها عما ارتكبته قواتها أثناء احتلال البلدين، واعتذر رئيس وزراء أستراليا الأسبق كيفن رود عما ارتكبه أسلافه في حق السكان الأصليين لأستراليا من الأبوريجنيز، وثقافة الاعتذار هي كلام عبارة عن حمام سلام وعربون ثقة وتقدم نحو الأمام، وخصوصاً حين تكون الثقة متزعزعة بين الطرفين إثر خلافات بين فترة وأخرى تختلقها أطراف لا تريد الخير لمستقبل البلدين.

بعد سقوط نظام صدام حسين، ظن كثيرون أن ممارسات الأجهزة الأمنية القمعية قد ولت إلى الأبد، وأن عهداً من الديمقراطية وحقوق الإنسان، قد شع نوره على العراق، لكن الممارسات القمعية استمرت بالاعتقالات والتصفيات حتى اليوم، وبلغت أبشع مراحلها في عهد وزير الداخلية السابق باقر جبر صولاغ في حكومة إبراهيم الجعفري عام 2005، حيث مورست أنواع من التعذيب تضاهي سابقاتها في عهد صدام حسين، فاستخدم quot;الدريلquot; والكهرباء وتقطيع الأطراف وقلع الأظافر واقتلاع العيون وانتشرت جثث quot;الزبلquot; (أي الزبالة)، فقد كان المعارضون يختفون ثم يظهرون فجأة في حاوية للقمامة وقد بدت على أجسادهم آثار التعذيب واضحة جلية، وهي ممارسات مخزية لم ينفها الوزير صولاغ نفسه حينها في مقابلة مع التلفزيون الألماني، معتبراً أن كل دول العالم تمارس مثل هذه الممارسات للحفاظ على أمنها متسائلاً: أو لا تقومون بمثل هذه الممارسات بألمانيا لو تعرض أمنكم للخطر؟

السيد صولاغ انتقل من وزارة الداخلية إلى وزارة المالية، وهو حاليّاً عضو في مجلس الشعب العراقي، فهل يعتذر السيد صولاغ أو تعتذر الحكومة العراقية نيابة عن مرحلته والمراحل السابقة لسقوط نظام صدام حسين عما تم ارتكابه من انتهاكات شنيعة لحقوق الإنسان في عهده؟

أظنني أفرطت في التفاؤل بالطلب من حكومة السيد المالكي الاعتذار للكويت عن غزو بلاده لها عام 1990!!