عبدالله جمعة الحاج


لا شك أن روسيا يمكن أن يكون لها دور في حل مسألة النووي الإيراني، لكن ولعدة أسباب تخص روسيا وحدها، يبدو أن موسكو لا تريد حلاً سياسياً لهذه المسألة، في المرحلة الحالية. ويمكن التوصل إلى ذلك الحل لو أن إيران قامت بإيقاف أنشطتها الخاصة بالنووي مقابل معونات واستثمارات واسعة وضمانات أمنية تقدم لها بعدم المساس بسلامة النظام السياسي القائم والاعتراف بإيران بأنها شريك الغرب الرئيس في المنطقة. لكن في عالم الحقيقة، خاصة على ضوء ما يحدث سياسياً في إيران، يبدو مخرج كهذا صعب التحقق.

إن حدوث الأمر بالشكل الذي أشرنا إليه سيجعل موسكو غير قادرة مستقبلاً باستخدام مسألة النووي الإيراني كورقة تلوح بها في علاقاتها مع الأطراف الأخرى المهتمة بالمسألة. دول آسيا الوسطى وبحر قزوين لديها خيارات للحصول على خطوط أنابيب جديدة لتصدير مواردها من النفط والغاز عبر إيران يتم بها تفادي الأراضي الروسية، ولو حدث ذلك فإن إيران ستقوم من جديد بلعب الدور الجيوبولوتيكي السابق الذي لعبته قبل الثورة، وهو دور لا تريد له موسكو أن يعود. روسيا مستثمر رئيس في برنامج إيران النووي، فوزارة الطاقة النووية الروسية ضالعة في بناء مفاعل بوشهر بمبلغ مليار دولار، وترغب في المزيد من هذه الاستثمارات.





ونتيجة لذلك، طورت روسيا منهجاً تجاه تسلح إيران النووي يقوم على مجموعة من الممانعات. فروسيا لا تريد رؤية إيران مسلحة نووياً، وترغب في أن يقوم الآخرون بمنعها من ذلك، وهي تمانع في استخدام الخيار العسكري ضد إيران، وفي إيجاد حل دبلوماسي لمشكلة التسلح النووي الإيراني، بمعنى أنها تريد واقعياً تجميد الأوضاع وابقاءها ساكنة كما هي عليه. وأخذ تلك المواقف المتناقضة في الاعتبار، تقوم روسيا باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد جميع العقوبات الفعالة ضد إيران. وعلى المدى الطويل تبدو روسيا وهي مهتمة بهذا النوع من العقوبات التي تعتقد بأنها قد تقود إلى إيجاد حل سياسي للمشكلة. وعلى المدى القصير تبدو روسيا وهي قلقة من أن العقوبات الفعالة ستنهي قدرتها على تزويد إيران بالأسلحة التقليدية، ومن أن تبدي تعاوناً أكبر على الصعيد النووي. وبهذا الشكل فإن موسكو تستخدم برنامج إيران النووي كورقة رابحة في لعبتها السياسية مع الدول ذات العلاقة. وحتى هذه اللحظة تبدو تلك الاستراتيجية وكأنها تؤتي أكلها، ولكن كلما طال أمد استخدام هذا النوع من المنهجية، كلما زاد عمق المصيدة الإيرانية التي ستواجهها روسيا، فهي قد تواجه تحدياً حقيقياً في حال لو قام إيران بإنتاج سلاحها النووي، أو قد تواجه تداعيات العمليات العسكرية التي قد يتم شنها ضد إيران.

وبالنظر إلى نتائج تلك التراكمات تبدو روسيا وهي سعيدة بما آل إليه الوضع الداخلي في إيران بالنسبة لبقاء الحكومة الحالية في السلطة على ضوء نتائج انتخابات الرئاسة الماضية. فعلى إثر ذلك صرحت وزارة الخارجية الروسية بأن روسيا تحترم الشعب الإيراني، وهي مستعدة للاستمرار في تنمية وتطوير العلاقات الثنائية معها. وهنا تجدر الإشارة إلى أن قراءة الموقف الروسي من قضية النووي الإيراني سيبقى كما هو، فروسيا ستنطلق من مصالحها الوطنية الخاصة دون ما اعتبار للموقف الدولي الرافض لفكرة تسلح إيران نووياً، وبذلك فهي لن تتعاون مع الغرب في إيقاف طموحات إيران النووية بالطرق الدبلوماسية، وهذا يعني أن إيران ستستمر في تنفيذ برامجها النووية وهي مقتنعة بأنها في النهاية، ستصل إلى تحقيقه.