خالد القشطيني


هذا تحذير مهم! لا تدخل مبنى الجامعة إلا في ثلاث حالات: أن تحصل على وظيفة فيها أو تنال مقاولة منها أو تكون متعبا وتجد سريرا شاغرا في أحد مكاتبها الوفيرة المعدة للنوم وتنام عليه. فهذه المؤسسة التي صنعها الإنجليز بعد الحرب العالمية الثانية وعجز العرب عن تطويرها أو إضافة أي شيء إليها لها مقدرة عجيبة في إفساد أي شيء من الديمقراطية والحرية إلى ساندويتشات الفلافل والشاورمة. مر الآن أكثر من أسبوعين ولم تستطع بعثتها أن تتحقق مما تفعله حكومة الأسد بشعبها. أي إنسان يستطيع من الأقمار الصناعية والإنترنت أن يرى ما يجري حيا هناك لحظة بلحظة. كانت العملية من أولها لآخرها فسحة ظريفة أخرى يستمتع بها أعضاء البعثة ومهلة إضافية للحكومة العلوية قبل أن يواجهوا العدالة التي تنتظرهم.

وهذه غلطة كبيرة ارتكبها السوريون. ما كان على المجلس الوطني السوري المعارض أن يفعله هو الاحتذاء بالعراقيين. وقعت المعارضة العراقية الساعية لإسقاط صدام حسين في شتى الأخطاء ولكنها لم تقع في هذا الخطأ بطرق أبواب الجامعة العربية. من أول يوم، جعلت نصب عينيها تحاشي الجامعة العربية والتحدث لمن بيده الصول والجول فقط. أميركا وبريطانيا والقوى الغربية. عقدت مؤتمراتها في فيينا ولندن وواشنطن وتحدثت للرئيس بوش والمستر بلير. خدعت الغرب وأقنعتهم بأن صدام حسين ينتج أسلحة الدمار الشامل فجاءوا بأساطيلهم ودباباتهم وطائراتهم وأسقطوه في بحر أيام قليلة ثم أخرجوه من البالوعة وسلموه للعراقيين ليقتصوا منه. ثم ندموا على ما فعلوا كما يبدو.

ما كان يجدر بالسوريين أن يفعلوه هو أن يشيروا إلى بشار الأسد ويقولوا هذا اختصاصي من لندن في أمراض العيون واستطاع أن يطور غبارا كيمياويا يصيب أعين الإسرائيليين واليهود بالعمى. سيصدقهم الأميركيون السذج ويتصورون أن العرب قادرون على فعل مثل ذلك، فيبعثون بقواتهم ويسقطونه.

رغم زياراتي العديدة للقاهرة فإنني لم أدخل مبنى الجامعة. أشار أحد زملائي إليها وقال هذه بناية الجامعة العربية فعبرت الشارع فورا إلى الرصيف المقابل خشية أن تصيبني بعض جراثيمها وأقع فريسة لمرض النوم الأفريقي.

ما هو السر في هذا التلكؤ في مطالبة مجلس الأمن بالتدخل عسكريا لإنقاذ الشعب السوري؟ أعتقد أنه الخوف من أن تتحول هذه المبادرات إلى سوابق تعتد بها القوى الغربية للتدخل في أي بلد عربي أو إسلامي ومنع حكومته من إبادة شعبها. فالكثير من هذه الحكومات تحرص على حريتها في تقتيل أبناء شعبها كما تشاء. البارحة العراق ثم تلته ليبيا والآن سوريا، وماذا بعد؟ اليمن؟ السودان؟

يستغرب البعض من تعلقي بالنظام الملكي. ففي العهد الملكي، انتفض العراقيون ضد حكومة صالح جبر. قتل نحو 30 متظاهرا. ذهب لمقابلة الوصي على العرش ليستأذن في مواصلة القمع بالقوة. قال له، كلا. لقد قتلت ما فيه الكفاية. هات استقالتك! سقطت الحكومة وانتهت المشكلة وخرجنا نحتفل بكلمات الجواهري:

حف بالتاج بنوه فتعالى وتعالى صاحب التاج جلالا

وفي جمهورية البعث والثورة يموت سبعة آلاف متظاهر، وعلى عينك يا تاجر.