كتب: Simon Tisdall

عاد الأسد ليطلق وعوداً مبهمة بالإصلاح، فتعهد بإجراء استفتاء دستوري على نظام مقترح يكون متعدد الجوانب في شهر مارس، لكن مصداقيته انهارت بالكامل بنظر معظم السوريين بعد مرور سنوات من دون أن ينفذ أي وعود مماثلة.
اعتمد بشار الأسد موقفاً سلبياً وعدائياً مألوفاً في الخطاب الذي ألقاه في دمشق، فتعهد بسحق المتمردين مع إطلاق وعود مبهمة بالإصلاح، فغالباً ما يشمل هذا السلوك تأجيل الاستحقاقات الكبرى، وتعنت المواقف، وإظهار مشاعر البغض والعدائية، وتضييع الوقت، ولعب دور الضحية، والميل إلى فرض ظروف تشوبها الفوضى. منذ اندلاع الانتفاضة السورية في شهر مارس الأخير، أظهر الأسد جميع هذه العيوب في شخصيته، بل أكثر منها بعد، مع أنه لم يكن يريد في الأصل تولي المنصب الرئاسي وقد أثبت أنه غير مناسب لهذا المركز بأي شكل.
تحتل الحالة النفسية التي يعيشها الرئيس السوري أهمية متزايدة في ظل تعمق الأزمة الوطنية القائمة منذ تسعة أشهر، ولم يتضح بعد كيف أو متى ستنتهي الأزمة؟ يقول النقاد إن الرئيس أصبح معزولاً وبعيداً عن أرض الواقع، لكن يعتبر آخرون أنه دمية، أو حتى رهينة، بيد أقاربه الأكثر نفوذاً والشخصيات العسكرية الأخرى، لكن من المؤكد أنه لا يبدو سعيداً في عمله بأي شكل.
بغض النظر عن حقيقة الوضع، لا شك أن الضغوط على الأسد أصبحت لا تُحتمل بعد سقوط 5 آلاف قتيل على الأقل حتى الآن، وبعد انضمام القادة العرب إلى الولايات المتحدة وأوروبا للمطالبة بتنحيه، وبعد ظهور احتمال محاكمته في الأمم المتحدة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وبعد انهيار النظام وارتفاع خطر اندلاع حرب أهلية شاملة. هل سينهار الأسد فعلاً؟ وما الخيارات المطروحة أمامه؟
1- الهروب:
إذا زاد الوضع سوءاً قد يحاول الأسد الهروب، كما فعل أول ضحية للربيع العربي، الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، فقد توجه هذا الأخير إلى المملكة العربية السعودية، وهو الملجأ المفضل بالنسبة إلى الحكام الدكتاتوريين المنفيين مثل رئيس أوغندا عيدي أمين ورئيس اليمن علي عبدالله صالح.
سيكون لجوء الأسد إلى المملكة مصدر حرج كبير بالنسبة إلى القادة السعوديين (الذين لا يكنون له المودة)، لكن ربما يستحق الأمر العناء إذا كان هروبه إلى هناك سيعيد الاستقرار إلى المنطقة.
أو يمكن أن يهرب الأسد إلى إيران، حليفته القديمة، أو حتى روسيا التي حرصت دوماً على حماية نظامه من الانتقادات الدولية وأرسلت قوة بحرية إلى مرفأ طرطوس السوري لإظهار تضامنها مع سورية.
إذا قرر الهرب فعلاً، فلا بد من التفكير بما سيحل بزوجته أسماء المولودة في بريطانيا وبأولادهما الثلاثة، وفي حال طلبت العودة إلى عائلتها في أكتون، غرب لندن، قد تواجه بريطانيا موقفاً دبلوماسياً وأمنياً حرجاً ومثيراً للاهتمام.
أصر الأسد على أنه لن يتحرك من مكانه، ولكنه بدا متوهماً جداً عندما قال ذلك، تماماً مثل القذافي، ولا سيما حين أعلن أنه ليس من النوع الذي يتخلى عن مسؤوليته، بل أكد أنه موجود في هذا المنصب بسبب دعم الشعب له وأنه لن يرحل إلا بإرادة الشعب أيضاً.
2- القتال:
تنبثق المقاربة الراهنة للتعاطي مع الأزمة من القواعد التي طبقها والد بشار الراحل، حافظ الأسد، فمن المعروف أنه أخمد انتفاضة سابقة في حماة، في عام 1982، عندما قتل حوالي 10 آلاف شخص بحسب التقارير. لكن يكمن الفرق هذه المرة في واقع أن حملة القمع الدموية لم تنجح، حتى الآن على الأقل، في تحقيق أهدافها ولا تنحصر الاضطرابات في مدينة أو منطقة واحدة، فقد لجأ خصوم النظام المدعومين من عناصر الجيش المنشقين إلى المقاومة المسلحة في أنحاء البلد. يقول الأسد أيضاً إنهم يتلقون المساعدة من الخارج، لكن يصعب التأكد من صحة هذا الادعاء.
الأسبوع الماضي، عبّر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن مخاوف منتشرة في أنحاء المنطقة والغرب، وحذر من أن الوضع في سورية يتجه إلى حرب دينية وطائفية وعرقية وأكد ضرورة تجنب هذا الأمر.
تكمن معضلة الأسد في واقع أن استمرار عمليات القتل من دون محاسبة (بعبارة أخرى، إذا لم يتمكن من إعادة فرض سيطرته بشكل كامل) سيدفع بعثة جامعة الدول العربية إلى الانسحاب، مما سيحتم تحركاً مباشراً من مجلس الأمن وتدخلاً محتملاً كما حصل في ليبيا.
حتى الآن، لا شيء يشير إلى نجاح حملات القمع العنيفة، لكن الأسد أعلن في خطابه أنه لن يغير أسلوبه فبدا مجدداً وكأنه ينكر وقائع الأمور. قال الأسد إن أحداً لا يتمتع بغطاء خاص وأكد أن أحداً لا يتلقى الأوامر بإطلاق النار على المواطنين، هو يهدف أساساً إلى إعادة فرض النظام ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال استهداف الإرهابيين بيد من حديد بحسب قوله، كما أكد أنه لن يتساهل مع الإرهاب أو كل من يستعملون الأسلحة للقتل.
3- التفاوض:
عاد الأسد ليطلق وعوداً مبهمة بالإصلاح، فتعهد بإجراء استفتاء دستوري على نظام مقترح يكون متعدد الجوانب في شهر مارس. لكن من المعروف أن مصداقيته انهارت بالكامل بنظر معظم السوريين بعد مرور سنوات من دون أن ينفذ أي وعود مماثلة، وإذا أصر الأسد على إحداث تغيير حقيقي، فقد يجازف بفقدان دعم شركائه في النظام، وعلى رأسهم شقيقه الصارم ماهر الأسد، وهو الرجل الأكثر نفوذاً في الجهاز الأمني السوري والمُتّهم بمعظم عمليات القتل الأخيرة.
لقد أحرق الأسد أوراقه الأخيرة مع أهم الدول العربية والغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان كانتا تعولان على قيادته عندما استلم الحكم في عام 2000. يبدو أن البلدان الغربية والدول المجاورة لسورية مثل تركيا لا ترى خياراً بديلاً عدا تنحيه من السلطة. ما يثير السخرية هو أن إسرائيل (عدوّة سورية القديمة) ربما تفضل بقاء الأسد حرصاً على استقرار حدودها، فإذا كان بديل الأسد نظاماً معادياً للغرب يقوده السنّة المسلمون، فقد تفضل الولايات المتحدة والعراق بقاءه أيضاً، لكن لأسباب مختلفة.
يبدو أن الأسد يغفل عن هذه الملاحظات وعن حاجته إلى الدعم في حال قرر التفاوض للخروج من هذا المأزق، بل إنه فضل الازدراء بنظرائه العرب في خطابه الأخير حين قال ldquo;إن جامعة الدول العربية فشلت طوال ستة عقود في اتخاذ موقف يصب في المصلحة العربيةrdquo;، واعتبر أنه يجب ألا يتفاجأ أحد مما يحصل الآن. لكن في الوقت نفسه، قال الأسد إن سورية لن ldquo;تغلق البابrdquo; أمام أي اقتراح عربي يحترم سيادتها ووحدتها، إذ يشير هذا الموقف إلى أنه لايزال يأمل في التوصل إلى صيغة إقليمية معينة تحفظ ماء وجهه وتمكنه من الاحتفاظ بالسلطة.
قد تصبح مصر نموذجاً لما سيحصل في سورية، فوفق هذا السيناريو، يسقط رئيس الدولة (حسني مبارك/ الأسد) ويخضع لمحاكمة رمزية، لكن يبقى النظام الذي يمثله الجيش والقوى الداخلية النافذة الأخرى على حاله بعد أن قدم هذه التضحية الكبرى. وهكذا تنجح الثورة ظاهرياً وتتوقف أعمال العنف في معظمها ويحصل احتفال كبير بهذا الإنجاز، لكن في صباح اليوم التالي، يدرك الجميع تدريجاً أن شيئاً لم يتغير!