أسامة عبد الرحمن

كان متوقعاً فوز الإسلاميين في الانتخابات في مصر، وإذا كان حزب الحرية والعدالة الفائز الأكبر، فإن السلفيين حققوا فوزاً كبيراً نسبياً، ولعل تحقيق السلفيين لمثل هذا الفوز لم يكن متوقعاً بحكم أنه ليس لديهم خبرة في الممارسة السياسية، والأداء السياسي، ثم إنهم كانوا من منطلق عقائدي يرفضون الديمقراطية ومظهرها الانتخابي .

ومعروف أن حزب الحرية والعدالة المنبثق عن حركة الإخوان المسلمين له رصيد شعبي، ذلك أن الحركة لها حضور تاريخي طويل وواجهت كثيراً من القمع والاضطهاد والإقصاء، وتمرست في الصراع السياسي، والرصيد الشعبي مرده الرئيس أن الدين متجذر في المجتمع، ثم إن الحركة تتجاوز النشاط الدعوي إلى تقديم برامج إعانة في وضع تقع فيه شريحة كبيرة نسبياً تحت خط الفقر، وتواجه البطالة، وربما كان تعرضها للقمع والاضطهاد والإقصاء مدعاة لتعاطف كثيرين معها، وخصوصاً المظلومين الذين يشعرون بأنها واجهت ظلماً أيضاً، وتظل المعاداة للصهيونية والدعم الغربي لها، سبباً في حشد قدر من التأييد لها . وبدا حزب الحرية والعدالة برصيده الإخواني أكثر مرونة في التعامل مع واقعه ومحيطه، وأكثر قدرة على التواصل مع فعاليات الحراك السياسي .

أما السلفيون الذين يظل فوزهم الكبير نسبياً مفاجأة لكثيرين، فإنهم منكفئون على طرحهم الديني إلى حد كبير، ويبدون أكثر تشدداً وبعيدين عن الطرح السياسي، ولذلك كانت بعض فتاواهم أو تصريحاتهم مصدر جدل أو قلق لدى آخرين، ويخشى هؤلاء أن يكون للسلفيين دور مؤثر في النهج السياسي أو التشريعي في المرحلة المقبلة، وتقويض لفكرة الدولة المدنية، خصوصاً أن طرح السلفيين يتضمن الإيحاء أو التصريح بفكرة الدولة الدينية، وهو طرح لا يرد لدى حزب الحرية والعدالة الذي يؤكد التزامه بفكرة مدنية الدولة . إن الفوز الذي حققه السلفيون يثير قلقاً ليس في الأوساط المسيحية والليبرالية فحسب، ولكن حتى لدى قطاع من الإسلاميين، لأن طرحهم يبدو خارج لغة العصر أحياناً أو خارج سياق الواقع السياسي، وربما خارج سياق الثورة الشعبية السلمية، ومطالبها المشروعة، والمتمحورة في تأسيس وترسيخ نهج ديمقراطي حقيقي يحقق الحرية والعدالة والكرامة والمساواة، وتتمثل فيه سيادة القانون واستقلال القضاء ومحاربة الاستبداد والفساد، ولكن رغم كل ذلك ربما يرى البعض أن السلفيين حين يدخلون معترك العمل السياسي سيتعلمون وسيضطرون إلى التكيف مع مخرجات الوضع الجديد . وفي كل الأحوال تبقى التحالفات القادمة بين الأحزاب السياسية عاملاً رئيساً في بلورة المشهد السياسي .

ولعل دور العسكر في بداية الثورة الشعبية في مصر كان محل تقدير واحتفاء إذ إن حيادهم كان أحد عوامل نجاح الثورة . غير أن أداءهم بعد أن آل إليهم أمر إدارة المرحلة الانتقالية كان مخيباً إلى حد ما لآمال الكثيرين . إذ بدا أن هناك قدراً كبيراً من التباطؤ في الأداء، وعدم الالتزام الدقيق بتنفيذ الإجراءات المطلوبة، وتحقيق المطالب المشروعة . وربما كان مرد ذلك أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، يقوم بدور لم يهيأ له وليس لديه خبرة على إدارة مثل هذه المواقف . ولذلك بدا في كثير من الأحيان غير متجاوب بالسرعة المطلوبة أو غير مستوعب للتقلبات والتذبذبات في مسار المرحلة الانتقالية .

ولذلك أيضاً حاول تشكيل مجلس استشاري من مدنيين يمثلون بعض فعاليات الحراك السياسي وبعض فعاليات المجتمع، ليكون عوناً له في هذه المرحلة . ولعل ما أثار قلق كثيرين الأحداث الدامية التي شهدتها مواجهات بين الجيش ومتظاهرين وأسفرت عن سقوط ضحايا، وبدا العسكر محل إدانة في هذه المواقف بعد أن كانوا محل إشادة خصوصاً أنها تكررت، ولم يتم الكشف عن الجناة أو تقديمهم إلى القضاء في وضع محتقن أصلاً لم يطل العقاب الحقيقي فيه رموز النظام السابق .

ويرى كثيرون أن المرحلة الانتقالية في مصر تختلف عن المرحلة الانتقالية في تونس بعد النجاح المبدئي لثورتيهما السلميتين، وسقوط النظام في كل منهما . فالمرحلة الانتقالية في تونس بدت أكثر انسيابية وأقل تأزماً وتم التشكل السياسي في إطار متناغم بعيداً إلى حد ما عن التذبذبات والتقلبات والمواجهات والاحتكاكات .

ربما قال قائل إن العسكر في تونس كانوا بمنأى عن إدارة المرحلة، وإن الإسلاميين في تونس أكثر مرونة في ظل وجود محدود للسلفيين، ثم إن الوجود المسيحي محدود أيضاً في وقت يتولى فيه العسكر إدارة المرحلة الانتقالية في مصر التي توجد فيها نسبة ملموسة من المسيحيين وتشهد فوزاً للسلفيين .

وتظل الخشية على مصر كبيرة لأن المتربصين بها كثيرون في الداخل والخارج، بحكم ثقلها السكاني والتاريخي وموقعها الاستراتيجي وقدرتها على التأثير في المحيط العربي . ويظل الكيان الصهيوني أكبر المتربصين .