علاء عريبي

ماذا لو تركوا الشعب المصري يحتفل بأول أعياد الثورة التي قام بها بعيدا عن المشاحنات والاعتصامات والفتاوى السوداء؟، ماذا لو جعلنا يوم 25 يناير يمر بدون جر الجماهير إلى صدام واشتباكات مع الشرطة والجيش؟، ماذا لو احتفلنا بدون إشعال النيران في المباني الحكومية؟، ماذا لو انتهت الليلة على خير وانصرف الجميع من الميدان بسلام دون إصرار البعض على المبيت وتعطيل حركة المرور؟.

في فترات التحول التي تمر بها البلاد غالبا ما تنصب المقاصل والمشانق، ويستغل بعض صغار النفوس الفرصة لتصفية الحسابات مع خصومهم أملا في التخلص منهم، وكثيرا ما تتحول مشاهد التحول تجاه التصفيات ونصب المحاكم العلانية، ويشغل النخب العامة فى اتهامات وجرائم وكشوف حسابات لا نهاية لها، وتحقن النفوس وتشحن الصدور بكراهية ومرارة وفكر الانتقام، ولن نستغرب أو نندهش عندما يطل بعض هؤلاء علينا في برامج التوك شو أو في الصحف يشوهون بعضهم البعض، ويشهرون كشوفاً من الخطايا والأخطاء، ويوجه كل منهم اتهامات متعددة ومتنوعة إلى صدر الآخر، والحقيقة أن هذه الآفة قد بدأت منذ ليلة تنحى الرئيس مبارك عن منصبه، فقد شاهدنا المتحولين وصائدي الأدوار والمناصب والأضواء يطلون علينا في البرامج ينسبون لأنفسهم بطولات ومقولات ونداءات ومشاركات لم نرها طوال الأيام السابقة، والمؤسف أن هذه الفئة ليست بقليلة وتحتل نسبة كبيرة من النخب السياسية والثقافية والفنية والإعلامية في بلادنا، حتى بعض الإعلاميين والإعلاميات تحولوا إلى أبطال وثوار ومفكرين وقادة رأى، والطريف أن هؤلاء المدعين سبق ولعبوا دورا سيئا في التكريس للنظام الفائت، وكانوا كما يقال: يأكل على جميع الموائد، ويتربحون على أكتاف وأحلام الشعب.
فى هذه الفترة العصيبة التي تمر بها البلاد ارتدوا ثوب الثوار، ويطلون علينا من كل اتجاه، وغير خفي علي أحد أنهم يمتلكون موهبة الإلحاح والتواجد، كما يمتلكون قدرة على الادعاء ونسب ما قام به غيرهم إلى أنفسهم، وبالطبع نحن لسنا ضدهم، ولا نطالب حتى بمحاربتهم أو إقصائهم عن المشهد الحالي، بل كل ما نتمناه عليهم ألا يوغروا صدورنا من بعضهم البعض، وألا يشحنوا صدور المواطنين وعقولهم بالكراهية وبفكر محاكم التفتيش، نتمنى على الله ألا يفسدوا علينا فرحتنا ورحابة صدورنا وأملنا في مستقبل شفاف ديمقراطي، مستقبل يتسع لجميع الاتجاهات والإيديولوجيات والرؤى، مستقبل يحتضن كل العرقيات والمذاهب والأديان، مستقبل يكرس لمفهوم الوطن والمواطن، نحن نرجوكم ونستحلفكم أن ترحمونا وترحموا البسطاء الذين خرجوا لكي يغيروا النظام الفاسد، ألا تفسدوا فرحة الانتصار والاحتفال بأول عيد للثورة.
نحن على يقين أنكم جزء من النظام الفاسد، وانه كان يجب أن يتم إقصاؤكم من المشهد، وأنتم تعلمون جيدا أن الجماهير تمتلك قدرة جميلة على الفرز وقراءة ما بين السطور، رجاء ألا تفسدوا علينا فرحتنا، اتركوا الكادحين يحتفلان بعيد الثورة، يتغنوا بما نجحوا فيه، لا تعكروا صفو الفرحة بالمشاحنات والاعتصام والاشتباكات وافتعال مواقف ومعارك للهجوم على قوات الجيش والشرطة، رجاء أن ترحمونا من قاموس الخيانة والعمالة والرشوة والابتزاز الذي أغرقتمونا فيه، اتركوا الأسر البسيطة تحلم بيوم جديد، بنظام حاكم ديمقراطي وعادل، أبعدوا عنا لعبة الدين والتحدث باسم الله، ارفعوا عنا فتاوى التكفير، وخطاباتكم الدينية السوداء، اتركوا الأسر المصرية تصنع بهجتها ودولتها التي تريد أن تعيش وتربى أولادها بها، لا تشوهوا الدولة التي يحلمون بها بخطابات دينية متشددة أو بأيديولوجيات جوفاء.
rlm;