فاتح عبدالسلام

يكون واهماً كل مَنْ يذهب به الخيال الي أنَّ الصورة السياسية الحالية في العراق يمكن أن تتغير علي طريق التحسين عبر مؤتمر وطني يجري الإعداد له. وهذا ليس حكماً مبكراً في التشاؤم، لكن عدم توافر مفردات الاصلاح السياسي في ذلك المؤتمر يعطي بسهولة هذا الاستنتاج الذي لا يحتاج إلي عناء كبير. ومفردات الاصلاح ليست غائبة علي نحو مطلق لكنها حاضرة غائبة وقد تكون في أحسن الأحوال دعوات ترد علي لسان سياسي هنا أو هناك من دون أن تمتلك قابلية التحول الي مادة علي طاولة حوار مستديرة بين الأطراف الذين تبدو صفة الفرقاء هي الأقرب إليهم حتي الآن من وصف الشركاء.
ان مقترح نقل المؤتمر الوطني من بغداد الي أربيل برغم ما ينطوي عليه من نيّات كردية سليمة في لمّ الشمل العراقي، الاّ إنَّ التجارب السابقة في انجاز اتفاقات في أربيل ومن ثم نسفها بعد الوصول الي بغداد، أمر لا يشجع علي التفاؤل.
متي ما استطاعت الأطراف العراقية أن تحل مشاكلها في داخل بغداد وبوصفهم شركاء في المصير فإنَّ هناك أملاً في رسم بداية خارطة طريق عراقية تضمن للعراقيين تفاهمات الاستقرار وعدم نسف كلّ شيء في (لحظة) لا أحد يعرف متي تأتي، وتشبه في أثرها السيء الانقلابات العسكرية التي كان العراق طوال عقود مواطناً تقليدياً لها.
المعطيات المحلية لا توحي بأنّ هناك امكانية لتحقيق الاتفاق علي خارطة طريق تتجاوز عثرات الدستور ومطبّات التوافقات وأكاذيب العملية السياسية. ولكن هذا لا يعني أيضاً انَّ المظلّة الدولية هي الأنجع في جمع شتات السياسيين البائسين بهمومهم ومصالحهم، فقد جري تجريب تلك المظلة منذ كان احتلالاً رسمياً أمريكياً، كما أنّ المظلّة الاقليمية الايرانية لم تستر أحداً من شمس العراق التي بات سطوعها يعني زوالاً لتماثيل الشمع. أمّا تركيا فهي ذات صلة محدودة مع الملفات العراقية ولم يجر طرحها بوصفها وسيطاً أو مظلة مفاوضات أو ضامنة لتعهدات.
هل يضيع العراق إذن. لا حل داخلي ولا حل بضمانات دولية؟ إنّه سؤال صعب لكنه مشتق من مأزق العراق في لحظته الراهنة التي تمنح الوضع صفة الأزمة الكبري بامتياز، وبكل استحقاقاتها المرّة المحتملة.