كتب: Michael Young

عدا قطر التي لعبت دوراً رائداً في معارضة القيادة في دمشق، يسود شرخ عميق بين الأنظمة العربية والمعارضة السورية التي تطالب بسقوط الأسد كحد أدنى، ويفسر هذا الوضع انعدام ثقة المعارضة بجامعة الدول.
عند التعرض للخسارة، يجب متابعة الالتفاف على الوضع! إنه شعار جامعة الدول العربية للتعامل مع الأزمة في سورية. نظراً إلى التردد السائد في العواصم العربية بشأن الخطوة التالية التي يجب اتخاذها للتعاطي مع نظام الرئيس بشار الأسد، من المستبعد أن يتغير الوضع قريباً.
بعد أن رصد الأسد حجم الارتباك في أوساط الحكومات العربية تجاه خطة جامعة الدول العربية التي تهدف إلى إنهاء أعمال العنف في سورية، عمد الرئيس السوري إلى شن هجوم مضاد في خطابه يوم الثلاثاء، فانتقد العرب لأنهم لم يدعموا نظامه على أمل أن يستفيد من مزاجيتهم وترددهم لاستعادة قدرته على التحكم بالوضع محلياً.
عندما وافق الأسد على الخطة العربية، اتسع الشرخ في صفوف العرب حول كيفية معالجة مشاكل بلده، تدعو الخطة إلى انسحاب الجيش من المدن السورية، وإطلاق سراح المعتقلين، وإقامة حوار بين النظام والمعارضة، فضلاً عن نشر مراقبين عرب لضمان تنفيذ الخطة.
لكن يطرح كل شرط من هذه الشروط مشكلة كبرى، لم ينسحب الجيش السوري من المدن بل قُتل حوالي 400 شخص منذ وصول المراقبين في الشهر الماضي. يبدو أن قلة من هؤلاء المراقبين تحرص على تنفيذ الشروط، أُطلق سراح بعض المعتقلين لكن من دون تحديد أرقام دقيقة عن عددهم الإجمالي، ومن دون منح المراقبين تفويضاً بدخول مراكز الاعتقال بكل حرية يستحيل التأكد من الرقم الحقيقي. صحيح أن نظام الأسد أعلن أنه يرحب بالحوار، إلا أنه يريد أن يختار محاوريه بنفسه ويعتبر المحادثات طريقة للتفريق بين المعارضين.
في شهر نوفمبر الماضي، بدت الدول العربية أكثر صرامة، فقد علقت عضوية سورية في جامعة الدول العربية حين رفضت التوقيع على بروتوكول يعطي الخطة العربية طابعاً رسمياً، كذلك، فرضت تلك الدول عقوبات على بعض المسؤولين السوريين ومنعتهم من السفر. كانت نتائج هذه التدابير محدودة نظراً إلى غياب أي آلية تجبر الدول الأعضاء في الجامعة العربية على تنفيذ العقوبات. صحيح أن المسؤولين العرب فعلوا أكثر مما كان متوقعاً منهم، لكنهم اعتبروا أن تلك القرارات كانت ضرورية لتجنب ldquo;تدويلrdquo; الأزمة عن طريق مجلس الأمن.
في الوقت الراهن، يصف خصوم الأسد طريقة تنفيذ الخطة العربية بالفشل الذريع، وفق تقرير صدر يوم الأحد الماضي، لم ينجح المراقبون في تبديد مشاعر القلق والانزعاج، فقد استمرت عمليات القتل والاعتقال وكانت الانقسامات العربية تعني أن جامعة الدول العربية قد توافق على متابعة المهمة في الوقت الراهن فقط، أجلت سورية وصول مراقبين جدد، وكانت قوى الأمن تتحكم بتحركات المراقبين، ويبدو أن الأسد يثق جيداً بما يفعله.
تحتل التحركات العربية أهمية ملفتة في هذا المجال، عدا قطر التي لعبت دوراً رائداً في معارضة القيادة في دمشق، يسود شرخ عميق بين الأنظمة العربية والمعارضة السورية التي تطالب بسقوط الأسد كحد أدنى. يفسر هذا الوضع انعدام ثقة المعارضة بجامعة الدول العربية التي تعكس بدورها الإجماع العربي (بل غياب أي إجماع مماثل).
لا يزال موقف أبرز بلدين عربيين (مصر والمملكة العربية السعودية) مبهماً في ما يخص الوضع السوري، إذ يركز المجلس العسكري المصري على إدارة شؤونه الداخلية ويتجنب أخذ المجازفات خارجياً على الرغم من المكاسب الاستراتيجية التي يمكن أن تحصدها القاهرة من انهيار التحالف السوري الإيراني، لكن تكمن المفارقة الكبرى في واقع أن الجنرالات الحريصين على ترسيخ سلطتهم محلياً يفضلون وضع المراوحة إقليمياً، فهم يخشون أن تؤدي أي اضطرابات إضافية (على رأسها سقوط الأسد) إلى تعزيز جرأة خصومهم المصريين.
يمكن استخلاص موقف الجيش المصري انطلاقاً من تحركات أمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي، وهو مسؤول مصري مقرب من مراكز السلطة في القاهرة تماماً مثل معظم أسلافه. كان العربي متردداً في مواقفه حول سورية ولم يستغل مكانته لتفعيل خطة الجامعة العربية، بل إنه توصل إلى اتفاق قائم على أقل عدد ممكن من القواسم المشتركة بين الدول العربية، ما أبطل مفعول المهمة العربية.
كذلك، أظهرت المملكة العربية السعودية تردداً جلياً تجاه حملات القمع التي يقودها الأسد، فقد أدانت المملكة أفعال النظام السوري ولكنها تجنبت في الوقت نفسه حصد إجماع عربي حول أحداث سورية. لعبت الرياض دور المتفرج من بعيد في الشأن السوري مع أنها لم تتردد في التدخل في البحرين واليمن، وربما يعود ذلك إلى انشغالات المملكة العربية السعودية ومرورها بمرحلة انتقالية حرجة، أو يفضل السعوديون انهيار النظام السوري بوتيرة بطيئة. بالتالي، بدا وكأن احتمال أن تخسر إيران أبرز حليفة لها في المشرق لم يكن كافياً لتحفيز صانعي القرار السعوديين.
أظهر الرد السعودي على تقرير مراقبي جامعة الدول العربية، يوم الاثنين، أن السعوديين لا يزالون يفضلون اعتماد مقاربة مزدوجة. أصدر مجلس الوزراء بياناً يدعو النظام السوري إلى تنفيذ الخطة العربية وحماية المدنيين، لكن البيان دعم ضمناً متابعة الخطة مع التأكيد على أنها نُفذت ldquo;جزئياًrdquo;، فرفضت المعارضة السورية هذا الموقف.
كذلك، لم تُظهر دول عربية أخرى أي حماسة تجاه تطبيق القرارات العربية، فقد أبدى كلٌّ من العراق والجزائر والسودان والمغرب والأردن ولبنان تعاطفه صراحةً مع الأسد أو فضل السير مع التيار السائد. من المتوقع أن تحذو معظم الدول الخليجية حذو المملكة العربية السعودية التي فضلت إبعاد نفسها عن الأزمة. كانت قطر الاستثناء الوحيد على القاعدة، لكن ستنتهي رئاسة قطر لمجلس الجامعة العربية في شهر مارس المقبل ليستلمها العراق الذي يدافع عن الأسد.
ما من زخم عربي منحاز إلى الشعب السوري ضد القيادة، يجازف هذا الوضع بتهميش المعارضة السورية، مما سيؤدي إلى تعزيز نزعة التطرف في الانتفاضة القائمة، وربما هذا ما يريده الأسد تحديداً، مع أن الدول العربية تدعي أنها تريد تجنب هذا الوضع. تشكل سورية الآن مسألة ملحة بالنسبة إلى مجلس الأمن وقد كانت كذلك منذ أشهر، يعود ذلك أساساً إلى التردد العربي حتماً.
* رئيس تحرير صفحة الآراء في صحيفة ldquo;دايلي ستارrdquo; (Daily Star) التي تصدر في بيروت ومؤلف كتاب ldquo;أشباح ساحة الشهداء: شاهد عيان على صراع الحياة في لبنانrdquo;
(The Ghosts of Martyrs Square: An Eyewitness Account of Lebanonrsquo;s Life Struggle).