مسعود ضاهر


في زيارته إلى لبنان خلال يومي 13 و14 يناير 2012، دعا أمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون، القادة اللبنانيين إلى إعادة إطلاق الحوار الوطني، لأن الأمم المتحدة ملتزمة جدا بضرورة نزع كل سلاح على الأراضي اللبنانية خارج مؤسسات الدولة.

وتوقع أن يواصل لبنان التزاماته كاملة حيال المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبما أن مدة العمل ببروتوكول المحكمة الموقع بين لبنان والأمم المتحدة تنتهي في فبراير 2012، فبإمكان الأمم المتحدة الموافقة على طلب محتمل تقدمه الحكومة اللبنانية لتعديل بنود البروتوكول، وفق صيغة يتم التوافق عليها في مجلس الأمن الدولي. ودعا المسؤولين اللبنانيين إلى استقبال النازحين السوريين لأسباب إنسانية، وعدم إعادتهم إلى سوريا. وجدد انتقاده للخروقات الإسرائيلية، التي اعتبرها انتهاكا أمنيا للقرار 1701.

وفي أحاديثه الصحفية، شدد أمين عام الأمم المتحدة على دور لبنان في منطقة الشرق الأوسط، لأنه لاعب إقليمي مهم للغاية، وأن أمنه واستقراره يساعد الأمم المتحدة على تطبيق سياستها لحفظ السلام والأمن في الشرق الأوسط. كما أن التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة في ظل انتفاضات الربيع العربي، تجعل مسألة الحفاظ على السلام والاستقرار في لبنان أكثر أهمية من أي وقت مضى. لذلك اختار أن يكون لبنان البلد الأول الذي يزوره الأمين العام، بعد التوافق الدولي على التمديد له لولاية جديدة منذ مطلع العام 2012.

من هذا الموقع دعا الزعماء اللبنانيين إلى التوحد خلف شعارات ديمقراطية حقيقية، لتنمية المجتمع اللبناني سياسيا واقتصاديا، على أن تكون عملية التغيير الديمقراطي شفافة، تستند إلى أحكام القانون، وتحمي حقوق الإنسان في لبنان. وقد آن الأوان لتجاوز الانقسامات بين اللبنانيين، والعمل على بناء سلام داخلي واستقرار حقيقي ثابت. ولفت الانتباه إلى دور الزعماء الروحيين في لبنان، لأن من واجبهم نشر مبادئ المحبة والتسامح بين اللبنانيين للعيش بسلام، رغم اختلاف معتقداتهم الدينية والسياسية، ودعا الحكومة اللبنانية إلى البدء في استثمار النفط في المناطق البحرية غير المتنازع عليها في الوقت الحاضر.

هكذا كرر الأمين العام مواقفه السابقة، فالأمم المتحدة تشجع الحكومة اللبنانية على استئناف الحوار الوطني. لكنه أعرب عن قلقه من تزايد القدرة العسكرية لـquot;حزب اللهquot;، ومن عجز الحكومة اللبنانية عن نزع السلاح غير الشرعي، مؤكدا أن الأمم المتحدة تنتظر نزع هذا السلاح وكل سلاح خارج سيطرة الدولة. ورأى أن من واجبها التأكد من بسط لبنان سيادته على كامل أراضيه، دون الإشارة إلى أن من واجبها منع اعتداءات إسرائيل المتكررة يوميا على لبنان.

في المقابل، كانت مواقف رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة اللبنانية، في لقاءاتهم المتعاقبة مع الأمين العام، شبه متطابقة، فركزوا على ضرورة التزام إسرائيل بتنفيذ كامل بنود القرار 1701. وكان الموقف اللبناني موحدا لجهة التمسك باستكمال تحرير ما تبقى من أراض لبنانية محتلة في مزارع شبعا وقرية الغجر، وبضرورة وقف جميع الخروقات الاسرائيلية لسماء لبنان وبحره وبره.

أما استهدافات قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان، فلا علاقة لسكان الجنوب اللبناني بها ولا للصراع مع إسرائيل، فهي رسائل موجهة من جهات خارجية لا تريد استقرار لبنان، بل تهدد مصالح جميع اللبنانيين. ودعوا الأمم المتحدة إلى ضمان حقوق لبنان في النفط والغاز في المنطقة البحرية، وأن تبادر فورا إلى ترسيم الحدود البحرية الدولية للبنان، على غرار مطالبتها بترسيم حدوده البرية.

نخلص إلى القول إن الرؤساء الثلاثة دعوا الأمم المتحدة لكي تمنع الخروقات الإسرائيلية، وأكدوا على الالتزام بالقرار 1701 وبكل مندرجاته. كما أكدوا حرص لبنان على قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان، وأثنوا على الدور الإيجابي الذي تقوم به وتضحيات جنودها على أرضه، وأدانوا الهجمات الإرهابية التي تعرضوا لها، مؤكدين عزم الحكومة على متابعة التحقيق القضائي بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة، لكشف الفاعلين وسوقهم أمام المحاكم المختصة لكي ينالوا عقابهم. وشددوا على بقاء الاستراتيجية القائمة بين الجيش واليونيفيل، وتطويرها لضمان تنفيذ مهماتها، دون تعديل في عديد القوات الدولية أو طبيعة عملها في جنوب لبنان.

وطالبوا الأمم المتحدة بحث الأطراف المعنية باستقرار لبنان والمنطقة، على تزويد الجيش اللبناني بالمعدات والتقنيات الحديثة، لتمكينه بصورة أكثر فاعلية لتنفيذ المهمات الموكلة إليه وفق القرار الدولي، الذي نص على ضرورة انسحاب إسرائيل دون قيد أو شرط، من كامل الأراضي اللبنانية. ودعوا مجلس الأمن إلى تطبيق جميع قراراته، والابتعاد عن ازدواجية المعايير، لا سيما الخاصة منها بقضية فلسطين.

هكذا بدا واضحا أن الرسائل المتبادلة بين أمين عام الأمم المتحدة والقادة اللبنانيين، تقاطعت دون أن تتلاقى. فاللبنانيون عازمون على تجديد هيئة الحوار الوطني وتنفيذ توصياتها السابقة، والتوافق على استراتيجية وطنية جديدة للدفاع عن لبنان. وهم يطالبون الأمم المتحدة بتنفيذ بنود القرار 1701 كاملة، ومساعدة لبنان على ترسيم حدوده البحرية، واستغلال ثرواته الطبيعية في مياهه الإقليمية، وإنقاذ شعبه من خطر القنابل العنقودية التي خلفتها حرب إسرائل الإجرامية على أراضيه عام 2006.

في المقابل، حمل أمين عام المم المتحدة رسائل واضحة للبنانيين، تمحورت حول ضرورة التمديد للمحكمة الدولية، وضبط الحدود، ونزع السلاح غير الشرعي، ومساعدة النازحين السوريين إلى لبنان.

لذلك كرر اللبنانيون أمامه موقف لبنان الداعي إلى إيجاد حل عادل وشامل لقضية الشرق الأوسط، على قاعدة قرارات الشرعية الدولية ومرجعية مؤتمر مدريد، والمبادرة العربية للسلام. وأعادوا التذكير بأن لبنان يرفض توطين اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه، ودعوا مجلس الأمن والمؤسسات الدولية إلى تأكيد صدقيتها، من خلال تطبيق القرارات الدولية دون تحيز، وإلزام إسرئيل بها بعيدا عن ازدواجية المعايير، ومنعها من الاعتداء اليومي على سيادة لبنان، وضمان حقوق اللبنانيين في مواردهم الطبيعية داخل الحدود المعترف بها دوليا.

ختاما، لبنان متمسك على الدوام بكل شبر من أراضيه، وبكامل حقوقه التي حددها القانون الدولي. ومن واجب الأمم المتحدة وأمينها العام، تنفيذ مبادئ القانون الدولي والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن، وليس تبليغ اللبنانيين بما يتوجب عليهم القيام به.

فهم أدرى بحماية وطنهم بكل الوسائل المتاحة أمامهم، في زمن السلم كما في زمن الحرب. أما الأمم المتحدة وأمينها العام فمعنيان، وبالدرجة الأولى، بأمن إسرائيل والسكوت على جرائمها اليومية في فلسطين، وليس بأمن لبنان واستقراره.