ناهض حتر

انه ليؤسفني أن ما حذّرتُ منه ألف مرة ومرة, ونلتُ لأجله أسوأ ردود الافعال, بات اليوم على جدول الاعمال الامريكي والحكوميّ الاردنيّ, ألا وهو تجنيس الوافدين من الضفة الغربية بعد 31 تموز 1988 ( فئة البطاقات الخضراء الذين ينوف عديدهم على مليون وافد, وفقا للأرقام الرسمية). فقد حمل وفدٌ أمريكي هذا المطلب الصريح إلى عمّان, بينما كانت حكومة عون الخصاونة قد فتحت, مسبقا, الباب أمام التجنيس الكثيف, حتى أن موظفين معنيين اشتكوا إليّ من حجم العمل القائم والقادم!.

عندما طالبنا - ولا نزال - بقوننة فك الارتباط, أي بإخضاع التجنيس, منحا وسحبا, لقانون جنسية يتضمّن تعليمات فك الارتباط الاداري والقانوني مع الضفة الغربية, لم نكن نريد, ولا في أيّ لحظة, المساس بالحقوق المكتسبة لأيّ أردني, وإنما أردنا - ولا نزال - وقف عملية التجنيس المستمرة بأوامر سياسية وإدارية, وإناطتها, بدلا من ذلك, بالقانون والقضاء. وهو ما أصبح, اليوم, ضرورة وطنية أردنية وفلسطينية, ومفتَتَحا لا مناص منه لمجمل العملية الديمقراطية, إذا أردناها أن تتم في سياق وطني لا إسرائيليّ.

تعني قوننة فك الارتباط حرفيا: تضمين quot; التعليماتquot; السارية فعلا بهذا الشأن في قانون الجنسية الاردنية. فلا جديد, إذاً, سوى تحصينها قانونيا من الضغوط الخارجية والفساد الداخلي.

إقرار مبدأ تجنيس أبناء الضفة الغربية لما بعد 1988 يضرب الكيانين الوطنيين, الفلسطيني والاردني معا; فهو يلغي, عمليا, فك الارتباط مع الضفة الغربية, ويلغي, بالتالي, الاعتراف بفلسطينيتها ويشجع الهجرة الناعمة الكثيفة منها, كما يهدد بقلب المعادلة الديموغرافية الحساسة في الاردن, ويضع التحوّل الديمقراطي في سياق قيام الوطن البديل. وهذا هو بالذات المفهوم الامريكي للإصلاح السياسيّ الاردني الذي يُراد منه, ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد; تصفية القضية الفلسطينية وإقامة ديمقراطية الكمبرادور من كل الاصول في إطار نظام سياسي إخوانيّ خليجيّ في بلدنا, ينسجم مع الشرق الاوسط الجديد.

لم نحظَ, حتى الان, من أحزاب المعارضة بموقف يندّد بالتدخّل الامريكي في شؤوننا الوطنية. وهي ما تزال تتجاهل الاعتراف بخطر التجنيس, بل ربما كان بعضها كحزب جبهة العمل الاسلامي - يحبّذه! وليس ذلك بمستغرَب. فالمشروع الامريكي في الاردن يرتكز على التحالف مع quot; الاخوانquot; الموكل إليهم, أمريكيا, إدارة هذا الملف كله.

منذ اللحظة التي قدّم فيها الامريكيون,علنا, مطلب تجنيس أصحاب البطاقات الخضراء, أصبحت قوننة فك الارتباط المهمة رقم واحد على جدول الاعمال الوطني, وأصبح الموقف منها فيصلا حادا بين قوى المشروع الامريكي للأردن وقوى المشروع الاردني. ومنذ اليوم لم يعد رفض قوننة فك الارتباط مجرد وجهة نظر quot; بريئةquot;, بل وجهة نظر تدعم الضغوط الامريكية المتصهينة على عمان, وتحدد, موضوعيا, خارطة الاصطفافات السياسية في البلاد.