يوسف الكويليت

نعرف ماذا جرّ من مآسٍ قفلُ قناة السويس، ومضائق تيران عندما اشتعلت حرب عام ١٩٦٧م، وكذلك التوتر حول قناة بنما، وإيران التي تهدد بقفل مضيق هرمز تلعب بنفس النار حتى لو اعتمدت على حقها القانوني في ذلك، لأن الخصم هذه المرة، هو كلّ العالم المستهلك لنفط الخليج العربي، والاختراع الإيراني لتأزيم نفسها في موقع حساس، قد يضيف لها مشكلة أكبر، ولعل اعتمادها على دعم معنوي، وكذلك عسكري، لايمنع القوى الغربية من أن تدافع عن ما تعتبره حقها القانوني في رعاية مصالحها، واستعمال إمكاناتها المتعددة، سواء الضغط الاقتصادي أو العسكري..

مشكلة إيران أنها تستعدي القوى المحيطة بها، وخارجها، وهذا في العرف الدبلوماسي، نتاج أزمة داخلية بتصادم الصلاحيات، وسيطرة فكر القوة الإقليمية القادرة على ردع الأعداء، والحكيم هو من يتعامل مع الظروف بواقعيةٍ وفهم منطقي ..

ولعل تقدير إيران التي تعتقد استحالة شن حرب عليها، في حال تأزمت الأمور هو تقدير خاطئ ؛ إذ قد تخلق الأزمة المالية الأوروبية - الأمريكية، وكذلك الانتخابات الأمريكية للرئاسة، وتقابل الدوافع مع الرغبة الإسرائيلية، حوافز للاتجاه نحو حسم الخلافات بالقوة، لأن عائد المكاسب لهذه الدول يفوق خسائرها، وهذا ما يجب أن تضعه إيران في تقديرها الحقيقي، وحساباتها الدقيقة..

وزير الخارجية الإيراني يدعو المملكة إلى إعادة النظر في زيادة صادراتها من النفط في حال حدثت أزمة عالمية بسبب الحظر على إيران، غير أن مفهوم الاقتصاد، حتى لو تداخل مع السياسة، فالأهداف الإقليمية، تلتقي مع الاحتياجات العالمية من هذه السلعة الحساسة، لأن الجميع في القارب الواحد من حيث الأضرار، ولا نعتقد أن إيران، لو مرت بمقاطعة نفطية مع دولة خليجية،، أو رئيسية مثل روسيا، أن لا تجد نفسها في حِلّ من مضاعفة صادراتها، إذا كانت قادرة تقنياً بدون أي اعتبار لأي موقف، والمملكة زادت إنتاجها في حالات كثيرة، وقبل التهديد بقفل مضيق هرمز، لأنها الدولة الوحيدة القادرة على سد أي نقص، وفي الحالة الراهنة لم تسعَ إلى حرب نفط مع إيران التي اعتمدت أن تدخل نفقاً مظلماً جاء بإرادتها، وبوازع عدم تلازم سياستها مع دول تملك الضغط والمجابهة..

لكن ماذا لو كانت روسيا، شبه الحليف مع إيران، هي المعوّض عن صادراتها النفطية، هل ستقف ضد هذا التصرف، إذا قامت روسيا بمضاعفة إنتاجها كفرصة لها خاصة وأن السياسة متغيرة، وليست ثابتة؟

وإيران جربت أن تكون غربية - أمريكية، أيام الشاه، وشرقية بعد ثورة الخميني، وهذه التجربة مارسها العرب وسجلوا خسائر سياسية ومادية، وهزائم عسكرية، لأن التحديات السياسية، وتطويرها إلى استعمال القوة، تعد مغامرة، إذ لا توجد تمايزات بين قوة وأخرى، إذا كانت الصورة واضحة ، وفهم اللعبة والتعامل معها بالذكاء الذي يجنب أي دولة دفع ثمن لا تستطيع تحمله، وإيران التي تصر على امتلاك سلاح نووي فهذه مشكلتها مع دول ترفض هذا الاتجاه، لما تدّعي أنه يهدد أمنها..

عموماً إيران كانت قادرة أن تكسب محيطها وخارجه لو قدّرت خطواتها بعقلانية، لكن أن تصل إلى حافة الهاوية مع قوى عظمى فذلك يعتبر مسؤوليتها وحدها دون غيرها..