خالد عبدالرحيم السيد

ارتفعت حدة التوتر بين إيران والغرب مرة أخرى، عندما هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز في ظل الخلاف حول برنامجها النووي والعقوبات المفروضة على صادراتها النفطية.
وقد حذرت إيران جيرانها من دول الخليج العربي بعدم زيادة إنتاجهم من النفط وتعويض إمدادات النفط الإيراني بالسوق لتغطية النقص نتيجة الحظر المتوقّع فرضه من قِبل الاتحاد الأوروبي على صادرات إيران النفطية.
وقال مندوب إيران لدى منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) محمد علي خطيبي: quot;إن عواقب هذا الأمر لا يمكن التنبؤ بها، لذا لا ينبغي لجيراننا العرب التعاون مع هؤلاء المغامرين، وعليهم اتباع سياسات حكيمةquot;.
ومع ذلك، فلقد ذكر علي النعيمي وزير النفط السعودي أن المملكة العربية السعودية quot;ملتزمة دائماquot; بتلبية الاحتياجات النفطية لدعم استقرار سوق النفط، وذلك في إشارة إلى استعداد المملكة لسد النقص في إمدادات النفط الذي قد ينجم عن فرض عقوبات ضد إيران على صادراتها النفطية.
وزاد الأمر تعقيداً مقتل العالم النووي الإيراني مصطفى أحمدي روشان، والذي تم اغتياله في سيارته بقنبلة مغناطيسية، مما زاد اشتعال جذوة العداء مع الغرب، واتهمت إيران واشنطن بتدبير عملية القتل الأخيرة وبعثت برسالة عن طريق السفارة السويسرية في طهران تفيد بأن في حوزتهم quot; مستندات وأدلة دامغة تؤكد دور وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في تخطيط وتوجيه ودعم هذا العمل الإرهابي quot;.
إن المواقف العدوانية الأخيرة لإيران تجاه الغرب تخفي حقيقة أن إيران تعاني من وجود مشاكل داخلية، فمشكلة إيران الحقيقية تكمن داخليا وليس خارجيا.
الوضع الآن في إيران يشابه وضع العراق قبل غزوه للكويت، حيث كان العراق يمر بأزمة اقتصادية في ذلك الوقت نظرا لعدم قدرته على دفع الأموال التي اقترضت لتمويل حربه مع إيران، وبالمثل، فإن إيران تواجه حالياً أزمة سياسية ومالية مزدوجة، وتعاني كذلك من الصراع الداخلي بين المسؤولين في الحكومة، والآن تلوح في الأفق بوادر لفرض عقوبات على صادراتها النفطية. فإيران اليوم في وضع يائس.
في العام الماضي، هزت البلاد واحدة من أكبر فضائح الفساد في تاريخها من خلال عملية احتيال مصرفي بما يقدَّر بـ 2.8 بليون دولار أمريكي قام بارتكابها بعض حلفاء الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، مما أثار غضب المواطن العادي في الشارع الإيراني والذي يعيش حالة يُرثى لها في ظل تضخم متزايد بجانب ارتفاع معدَّلات البطالة، كما أظهرت قائمة مؤشر الفساد لسنة 2011 من قِبل منظمة الشفافية الدولية التي ترصد الفساد على مستوى العالم، فقد احتلت إيران المرتبة (120) واعتبرتها واحدة من الدول quot;الأكثر فساداًquot; في العالم، ويضم المؤشر 183 دولة وكلما زاد الرقم الذي يشير إلى ترتيب الدولة في القائمة كانت أكثر فساداً.
ومؤخراً، ظهرت تقارير تفيد بأن الرئيس أحمدي نجاد قد اتهم مجتبى خامنئي، نجل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، بأنه الضالع الرئيس في قضية اختلاس أموال من خزينة الدولة.
وشهدت انتخابات عام 2009 في إيران معارضة لم يسبق لها مثيل إبان فوز الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد على منافسه مير حسين موسوي، واندلعت الاشتباكات بين الحكومة وجماعات المعارضة في حين قامت السلطات بحملات اعتقال ودهم واسعة وألقت القبض على مجموعات تدعو إلى إجراء إصلاحات سياسية في إيران.
إن إعادة انتخاب الرئيس أحمدي نجاد لفترة ولاية رئاسية ثانية، بالتأكيد لم تكن عملية سهلة خاصة بعد فضائح الفساد وصراعات الحكومة الإيرانية الداخلية التي طفت إلى السطح بين أحمدي نجاد ومؤيدي الزعيم الإيراني الراحل آية الله الخميني.
وقال وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا، في برنامج quot;واجه الأمةquot; الذي بثته قناة سي بي إس الإخبارية، أن quot;الخطوة المسؤولة التي يجب القيام بها الآن هي الاستمرار في ممارسة ضغوط دبلوماسية واقتصادية على إيران لإجبارها على السير في الطريق الصحيح، والتأكد من أنهم لن يتمكنوا من المضي قدماً في تطوير برنامجهم النووي quot;.
موقف الانتظار والترقب الذي يتبناه الغرب تجاه إيران، يبين جلياً أنها مجرَّد مسألة وقت في انتظار ما يمكن أن تأتي به رياح الاضطرابات الداخلية في مهب الريح الإيراني الحالي - بما يشتهي الغرب ndash; وما إذا كانت هذه الاضطرابات سوف تتصاعد إلى احتجاجات شاملة على غرار ما حدث في ثورات الربيع العربي، حيث إن تلك الشعوب العربية في بلدانها كانت تعاني من نفس وضع إيران المتأزم، لذا قررت جماهير تلك الشعوب أن تتولّى زمام الأمور بنفسها.
ومع ذلك، فإنه إذا ما حققت إيران تهديدها بإغلاق مضيق هرمز، فإن ذلك سيؤدي إلى إلحاق مزيد من الضرر باقتصادها لأنه سوف يرفع من سعر النفط ويزيد الحصار ومعدّل التضخم في إيران الذي بلغ في شهر نوفمبر من العام الماضي 19.1 ٪، بعد أن قفز من 18.3 ٪ في شهر أكتوبر 2011، وعليه، فإنه إذا ما قامت إيران بإغلاق المضيق، فإن هذا سيكون بمثابة هزيمة ذاتية لها في عقر دارها، باعتبار حقيقة أن أغلب الاقتصاد الإيراني يعتمد على ريع عائدات النفط - حيث تساهم فيه بأكثر من 82 في المائة.
هذا الموقف العدائي من جانب إيران تجاه الغرب هو مجرد غطاء للتستر على مشاكلها الداخلية من فساد وبطالة وارتفاع أشبه بالقفز بالزانة في معدلات التضخم، وهذه هي مجمل المشاكل الحقيقية التي تواجه إيران الآن.
علينا أن نتذكر أيضا أن هذه الأشياء مجتمعة كانت هي نفس القشة التي قصمت ظهور بعض رموز الحكم في بلدان الربيع العربية، وكانت سبباً في انتشار نسائم الربيع العربي في معظم دول الشرق الأوسط، فإذا ما استمرت الاضطرابات الداخلية في إيران، هل سيكون هناك احتمال بأن يشهد عام 2012 بزوغ فجر الربيع الفارسي؟ إن الإجابة على هذا السؤال تكمن في الشعب الإيراني نفسه، وما إذا كانوا يريدون الاستمرار في وضعهم الحالي، أو أن يتولّوا زمام الأمور هناك بقوة إرادتهم.. وأيديهم.