أحمد عمرابي


ظاهرياً سيكون الخامس والعشرون من يناير ـ الذكرى الأولى للثورة المصرية التي بلغت ذروتها بتنحي الرئيس حسني مبارك ـ مناسبة عظيمة للاحتفال، لكنه عملياً سيكون تدشيناً لمعركة مصيرية حاسمة، بين القوى السياسية المدنية والمجلس العسكري الحاكم.

لكن حتى قبل حلول يوم 25 يناير ظهرت مؤشرات ذات دلالة عميقة ومغزى خطير، أبرزها تلك القنبلة التي فجرها د. محمد البرادعي بإعلان انسحابه من سباق الترشح الانتخابي لرئاسة الجمهورية.

الدلالة ليست في قرار الانسحاب نفسه، وإنما في السبب الذي استند إليه البرادعي في اتخاذ قراره، وفقاً للبيان الصادر عنه. فقد قال إنه لا وجود لديمقراطية حقيقية في مصر الآن مع سيطرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على سلطة الحكم. وانطلاقاً من هذا الموقف شن البرادعي هجوماً كاسحاً وقوياً وصريحاً على المجلس العسكري.

معتبراً أن المجلس الذي تولى قيادة سفينة الثورة دون اختيار من ركابها ودون خبرة له بالقيادة، أخذ يتخبط بها بين الأمواج دون بوصلة. وصفوة القول في بيان البرادعي، هي أنه في ظل حكم المجلس العسكري يبدو كأن نظام مبارك لم يسقط، وكأن الثورة لم تقع.

موقف البرادعي مفعم بقدر كبير من المصداقية، حيث إنه يعكس رؤى ومشاعر أغلبية القوى السياسية والرأي العام عموماً. لكنه إضافة إلى ذلك، يكتسب قدرا أعظم من المصداقية بما ورد على لسان الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، فقد قال عقب اجتماعه بأعضاء المجلس العسكري، إنه يتشكك في أن يسلم المجلس السلطة كاملة لحكم مدني.

لقد جاء كارتر إلى مصر لمراقبة سير عملية الانتخابات البرلمانية، وإذ امتدح هذه العملية قائل:اً إن القضية الأكثر إلحاحاً هي مقدار السلطة التي سيتخلى عنها المجلس العسكري للبرلمان المنتخب.

هناك إذن، معركة سياسية قادمة، ولن يطول الوقت لمعرفة موعد اندلاع الصراع على المكشوف. فالموعد هو الثالث والعشرون من يناير الجاري، اليوم المحدد لانعقاد مجلس الشعب المنتخب للمرة الأولى. ستكون معركة حول سلطات هذا البرلمان الجديد، وأيضاً مدى سلطات رئيس الجمهورية الذي من المقرر أن ينتخب لاحقاً، وبالتالي فهي معركة حول كيفية إقصاء جنرالات المجلس العسكري عن الحكم.

لقد أسفرت الانتخابات البرلمانية كما هو معلوم، عن فوز كاسح لجماعة quot;الإخوان المسلمينquot; عبر ذراعها السياسية التي يطلق عليها quot;حزب الحرية والعدالةquot;، ما سيتيح للحزب هيمنة على مجلس الشعب بأغلبية مريحة. ورغم أن quot;الإخوانquot; ظلوا على مدى شهور متصلة يتجنبون أي صدامات مباشرة مع المجلس العسكري، فإنه لن يكون بوسعهم تفادي المعركة المرتقبة.

إن من المقرر أن يعقب انعقاد مجلس الشعب إنشاء لجنة من مئة عضو لوضع الدستور، وقد وضع العسكر شروطاً مسبقة بشأن كيفية اختيار أعضاء اللجنة. وعندما يحين موعد تعيين عضوية اللجنة، فإن نطاق المعركة المرتقبة سيتسع. وشاهد القول أن المعركة ستكون إجمالاً حول من يمتلك القوة السياسية الحقيقية: العسكر أم المدنيون المنتخبون شعبياً؟

وهكذا فإنه بينما كانت الانتخابات موضع الاهتمام الشعبي الأعظم، فإن ما سيحدث بعد ذلك سيقرر مستقبل مصر من حيث تحديد شرعية نظام الحكم. وهذا هو سبب اهتمام المجلس العسكري بالدستور المرتقب، لا من حيث البنية الايديولوجية للدستور، وإنما من حيث كيفية صياغة النصوص الدستورية من أجل تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية ومجلس الشعب، لمصلحة المؤسسة العسكرية على نحو ما.

وعلى طريق تجنب الصدام المباشر من المجلس العسكري، تقول قيادة الإخوان المسلمين إنها على استعداد لإيجاد quot;خروج آمنquot; للجنرالات من السلطة. ولكن السؤال الذي يطرح هو؛ ما إذا كان الجنرالات يعتزمون مغادرة السلطة؟ إن سجل المجلس خلال الاثني عشر شهراً الأخيرة، لا يفيد إلا بنقيض ذلك.

فبالرغم من وعود العسكر بحماية الثورة ومظاهرات الاحتجاج، فإنهم أصروا على إبقاء قانون الطوارئ الذي حكم به نظام مبارك على مدى ثلاثة عقود. ثم اعتقلوا 12 ألف مواطن، ومارسوا وسائل قمعية وحشية شبيهة تماماً بما فعلته المؤسسة الأمنية خلال الأيام الأخيرة في عهد مبارك.

إن من سخرية القدر أن المجلس العسكري يُعِد العُدة للاحتفال بذكرى الثورة في 25 يناير، لتبث السلطة العسكرية من خلالها رسالة مفادها أن العسكر هم حماة الثورة. لكن جماهير الشارع ستحتفل على طريقتها في ميدان التحرير، بما يؤكد أن على الثورة أن تتجدد استعداداً لتقرير مصير مصر