عدنان حسين


ما كان لقاسم سليماني أن يتجاوز ويتمادى في الكلام من النوع الذي كُشِف النقاب عنه أمس بشأن العراق لو كانت لدينا دولة وحكومة تحترمان نفسيهما وشعبهما، ولو كانت لدينا قبل هذا نخبة سياسية حاكمة تستحي.

وقاسم سليماني هو الجنرال الإيراني الذي يقود أهم فيلق في الحرس الثوري (باسدران). وهذا بدوره هو الميليشيا الضاربة للمرشد الإيراني الأعلى التي تمتد سلطتها إلى الاقتصاد فضلاً عن الأمن والسياسة في جارتنا الشرقية.
أمس أُعلِن أن الجنرال سليماني قال يوم الخميس إن quot;إيران حاضرة في العراق والجنوب اللبنانيquot;، وإن هاتين المنطقتين quot;تخضعان بشكل أو بآخر لإرادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأفكارهاquot;، مضيفاً أنه يمكن لطهران quot;تنظيم أي حركة تؤدي إلى تشكيل حكومات إسلامية هناك بهدف مكافحة الاستكبارquot; (العربية نت نقلا عن وكالة quot;إيسناquot; للأنباء الإيرانية شبه الرسمية).
سليماني لم يقل غير الحقيقة، فلإيران دور واضح في الإحداث والشؤون الداخلية للعراق، يشبه بصورة من الصور دورها في جنوب لبنان المخطوف من الدولة اللبنانية. والتصريح المتفاخر لسليماني هو اعتراف بان النفوذ الإيراني في العراق مُهيمن كما هو في جنوب لبنان.
الجنرال سليماني الذي يقود quot;فيلق القدسquot; في (باسدران) ويُعدّ أهم شخصية عسكرية إيرانية على الإطلاق، لم يكن يتحدث في جلسة خاصة أو على ناصية مقهى شعبي، بل كان يُلقي خطبة رسمية في ندوة عامة تحت عنوان quot;الشباب والوعي الإسلاميquot;، بحضور بعض الشباب من البلدان العربية التي شهدت خلال السنة المنصرمة ثورات ضد أنظمة الحكم، بمعنى أن الجنرال الإيراني أراد الإبلاغ عن رسالة رسمية علنية من النظام الإيراني تُظهر مدى استهانة هذا النظام بسيادة الدولة العراقية.
هذه الاستهانة تستند إلى أن في عراق ما بعد صدام حسين لم تقم بعد دولة، أو هي دولة لكنها غير محترمة، وفي العادة فان غير المحترم غير مرهوب الجانب أيضاً. وعدم الاحترام الإيراني لدولتنا وسيادتها متأت من:
أولاً: وجود جماعات في الدولة العراقية تتصرف باعتبارها جزءاً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية داخل الدولة العراقية أو أن الدولة العراقية إقليم ملحق بالجمهورية الإسلامية. ألم تروا كيف ارتفعت صور الخميني وخامنئي في شوارع البصرة في quot;يوم الاستقلال العراقيquot; وهو يوم الانسحاب الأميركي الكامل من الأراضي العراقية نهاية الشهر الماضي؟
ثانيا: انصراف النخبة الحاكمة (من كل الكتل والائتلافات البرلمانية والحكومية) عن أمور الدولة والشعب والوطن إلى أمورها الشخصية والحزبية.. صراعاتها على السلطة والنفوذ والمال.. فسادها المالي والإداري.. نهب المال العام.. تدبير المؤامرات، وما إلى ذلك مما نعرفه جميعاًَ.
استهانة الجنرال سليماني بالعراق هي بالدرجة الأولى استهانة بالسياسيين المتنفذين في الحكومة والدولة الذين صحّ فيهم قول المتنبي العظيم: quot;من يَهُنْ يَسهلُ الهوانُ عليه...quot;.