علي حسين


لا مفاجأة على الإطلاق في أن يشعر الناس بأنهم خدعوا وان ما يجري اليوم لا يفرق كثيرا عمّا جرى في ظل نظام القائد الضرورة، إلا أن المفاجأة الأكبر حين يعترف سياسي ومسؤول كبير بأننا استبدلنا نظام صدام بنظام آخر يحمل العقلية نفسها، ففي مقال مهم ومثير للانتباه نشرته صحيفة العدالة كتب القيادي البارز في المجلس الأعلى ونائب رئيس الجمهورية السابق يقول quot;سقط الطاغية لكن عقلياته ومؤسساته تجدد نفسها. سقط الفرد والحزب..

لكن ممارسات التفرد والتحزب شائعة ومهدِدة.. فالتشريعات ما زالت في معظمها لمجلس قيادة الثورة.. والجديدة ndash;عدا قلة- يعاد تكييفها مع البنى والمفاهيم القديمةquot;.
وأظن أن السيد عبد المهدي يدرك جيدا أن سلوكيات العديد من سياسيينا ومسؤولينا ليست بعيدة عن نظام دولة المخابرات والمخبرين السريين، فحملات إعادة صدام إلى الحياة واستنساخ نظامه ومعاقبة الذين يصرخون بوجه الدكتاتورية، لا تزال مستمرة وبنجاح منقطع النظير.
ولعل السيد عادل يدرك جيدا إن ما جرى ويجري في العراق خلال السنوات الماضية كان تجربة عملية على حرق كل اثر للتغيير وقد كان مشهد الصراع الطائفي على المناصب والمغانم بالغ الدلالة والإيجاز وإذا كان العراقيون البسطاء قد توسموا خيرا بعد سقوط تمثال صدام فقد خاب ظنهم حين اكتشفوا أن بينهم اليوم أكثر من صدام، المشهد العراقي اليوم يظل حافلا بالعديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام الحائرة.
والسؤال الذي اطرحه على نائب رئيس الجمهورية السابق: ما معنى تضحيات العراقيين في الخلاص من دكتاتورية صدام ليخبرهم سياسي كبير بأنهم اليوم -وجها لوجه- أمام دكتاتوريات القتل المجاني وكواتم الصوت والترهيب والتخوين؟.
والسؤال الأهم ما معنى أن نجد مسؤولين كانوا نائمين معظم سنوات عمرهم في فراش نظام صدام ثم يدعون أنهم أصحاب التغيير وحراس الديمقراطية، ما معنى أن يدخل الجميع في صفقة لتجميل الوجه القبيح للدكتاتوريات العربية، ما معنى أن يجد الناس أنفسهم أمام مسؤول كبير يعترف ولو متأخرا من أن quot;:السلطة تتحكم بمواطن عاجز يُذل ويُهان.. ويقتل بالإرهابيين والمفخخات وكواتم الصوت، بعد أن كان يقتل بالحروب وزنزانات الموت.. فمعدلات الهجرة والعسكرة في تزايد وكذلك البطالة والأمية والفقر والمرض والجريمة والفساد. فالتغيير لا يستحق اسمه بدون تغيير جذري بين نظامين وعقليتين وممارستين.. ولا يمكن تبرير التقصير والفشل بعد 9 سنوات ومئات مليارات الدولارات.. لنحمل غيرنا المسؤولية او نتحجج بالإرهاب والماضي.. الذي يمثل استمراره امتحاناً وإدانة، وليس تبريراً وعذراًquot;.
سيدي العزيز لم يكن العراقيون يتصورون أن تضحياتهم في سبيل الخلاص من دكتاتورية quot;القائد الضرورةquot; يمكن أن تنتهي إلى دكتاتورية جديدة، ولم يكن احد يتصور أن العراق الجديد الذي اسقط صنم الطاغية يسعى فيه البعض اليوم وبقوة إلى بناء أصنام جديدة يريدون من الناس أن تركع أمامها ليل نهار، ولم تكن الناس تتوقع أن حالة الهلع يمكن أن تصيب ساسة ومسؤولين لمجرد الاختلاف معهم في الرأي فيرسلون أزلامهم ليقتلوا الناس بدم بارد.
كنا نعتقد أن قادة البلد سيبدعون في الإعمار وإدارة شؤون البلاد أكثر من إبداعهم في تعليم الناس الفلسفة والأخلاق الحميدة، واكتشفنا أنهم بدل أن يحرسوا الحدود ضيعوا استقرار المدن، جاءوا باسم المحرومين والمظلومين وتحولوا إلى أغنى طبقات المجتمع، صدعوا رؤوسنا بخطب عن دولة القانون فيما هم يهرّبون أموال الشعب، دمروا الحياة السياسية وأقاموا بديلا عنها تجمعات شعارها المحسوبية والانتهازية، يدعون إلى النضال وهم يقفون أذلاء أمام أبواب حكام دول الجوار.
كنا نعتقد أن الحرية والأمان والمساواة حق؟ فإذا نحن أمام ساسة حولوا الحق إلى ضلالة والحياة إلى جحيم يكتوي بنارها معظم العراقيين، كم مثير للاشمئزاز إن الساسة الذين كانوا يطالبون بالحرية نراهم اليوم يمارسون الوحشية والاستبداد التي مارسها صدام وأبناؤه.
السيد عادل عبد المهدي.. آسف أن أقول لك إن معظم ساسيينا وقادتنا لا يريدون لصورة صدام أن تغادر ذاكرة العراقيين.