يوسف البنخليل

تابعت باهتمام كبير ما دار من حوار بين عدد من قرائي بالأمس بشأن حادثة انسحاب السفير الأمريكي من مؤتمر أمن الخليج الذي أقيم نهاية الأسبوع الماضي، وكان هناك جدلاً بينهم بشأن جدوى إنهاء الخيار الأمريكي كحليف استراتيجي لبلدان مجلس التعاون الخليجي في ظل هذه المرحلة الدقيقة. البعض شكك كثيراً في إمكانية إنهاء هذا الخيار، والبعض الآخر اندفع بشكل عاطفي نحو تأكيد قدرة بلدان مجلس التعاون على تشكيل خياراتها في التوازن بين القوى العظمى والكبرى في النظام الدولي. ولكل صاحب وجهة نظر قدم رأيه ومبرراته وهي بالفعل مبررات واقعية، ولكن من المهم الاستفادة منها في التقييم حتى نفهم ما نقصد به عندما نتحدث عن نهاية الخيار الأمريكي بالنسبة لدول المنطقة. ثوابت العلاقات الدولية تعد من الأمور القليلة الثابتة في السياسة بسبب اختلاف المعطيات الإقليمية والدولية، وفي نفس الوقت اختلاف المصالح وتغيّرها من وقت لآخر. والنظام الدولي منذ حرب الخليج الثانية عامي 1990 ـ 1991م أنهى الثنائية القطبية في النظام الدولي، بمعنى وجود قوتين عظميين في النظام نفسه وهما الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة لصالح الأخيرة، ومنذ تلك الفترة والنظام الدولي يخضع للهيمنة الأمريكية بعد انفرادها بالنفوذ في النظام باعتبارها القوة الدولية الأعظم دون منافس. ولكن بعد مرور نحو عقدين من الزمن على الأحادية القطبية في النظام الدولي والهيمنة الأمريكية على العالم، فإنه من المنطقي أن يتغيّر هذا الوضع سواءً في هذه الفترة الزمنية، أم خلال الفترة المقبلة، أو حتى مستقبلاً. إذ لم يشهد النظام الدولي شكلاً معيناً من علاقات القوة طوال تاريخ الحديث بشكل مطلق، وإن كانت هناك قوى دولية ظلت في قمة النظام الدولي لمدة قرون أو عقود قليلة. أما فيما يتعلق بالقوة الدولية المرشحة للصعود في النظام الدولي، فإنها كثيرة، ومنها الصين والهند والاتحاد الأوروبي واليابان وكذلك البرازيل وغيرها. بالمقابل فإن دول مجلس التعاون الخليجي تتأثر بكافة التغيّرات التي يشهدها النظام الدولي، وبالتالي يحق لها وفقاً لمصالحها أن تغيّر من أسلوب التعامل مع القوة الدولية الأعظم، فهي ليست في موضع تنهي فيه علاقاتها مع واشنطن، ولكنها بلا شك في موضع لتحديد كيفية التعامل مع واشنطن، فإذا كانت دائماً ما تحاول تعزيز مصالحها وتشابكها مع الإدارة الأمريكية، فإنه بإمكانها أن تحاول تنويع هذه المصالح مع العديد من القوى الكبرى في النظام الدولي، وخصوصاً تلك المرشحة لأن تكون قوى عظمى مستقبلاً في النظام نفسه. ولذلك فإن خيارات العلاقات الخليجية ـ الأمريكية لا ينبغي أن تنتهي حالياً أو مستقبلاً، بل يجب أن تستمر، ولكن يجب أن تنتبه بلدان مجلس التعاون الخليجي لمصالحها أكثر من أي وقت مضى في هذه المرحلة التاريخية الهامة التي تشهد تحولات رئيسية في النظام الدولي.