سليمان جودة

تابعت خلال الأسبوع الماضي، عن قرب، استعدادات الكويت لانتخابات مجلس الأمة، التي تجري يوم 2 فبراير (شباط) المقبل، وكنت في كل خطوة أخطوها هناك، على مدى عدة أيام، أبحث عن وعي الناخب، بحدود واجبه الذي عليه أن يؤديه في هذا اليوم، ثم عن إحساس المرشح عندما يصبح نائبا، بحدود مسؤوليته في البرلمان تجاه بلده.

وقد كان لافتا للنظر، أن الشعار الذي تبناه تلفزيون الكويت، طوال أيام الحملة الانتخابية، كان على النحو الآتي: صوتنا للكويت.. الأمة 2012.

وهو، كما تري، شعار من شقين: أولهما أن التلفزيون يدعو الناخبين إلى أن تكون أصواتهم للكويت، كبلد أولا، وأخيرا، وقبل كل شيء.. وبمعنى آخر، فإن هذا الشق الأول من الشعار، إذا كان يبدو في الظاهر بسيطا، فإنه في الحقيقة ليس كذلك، لأن الناخب الذي عليه أن يعطي صوته، وفق مقتضيات هذا الشق من الشعار، سوف يكون عليه أن يبذل جهدا خارقا، وسط صخب انتخابي يغطي على كل ما عداه هناك، حتى يتبين له، كناخب، اسم المرشح الذي إذا أعطاه صوته، يكون بالفعل قد أعطاه لبلده، وليس لشخص، أيا كان هذا الشخص!

وإذا كان هذا الشق الأول يتعلق، بالناخب، ويخاطبه، فإن الشق الثاني يتصل اتصالا مباشرا بالنائب، ويخاطبه أيضا، وسوف نسمي المرشح، هنا، نائبا، على سبيل التجاوز، لأننا سوف نفترض فيه أنه نجح، وإن عليه، تبعا لذلك، أن يؤدي دوره في داخل البرلمان، بطريقة مختلفة، بما يجعله كبرلمان، عندئذ، اسما على مسمى، فيكون laquo;الأمة 2012raquo; فعلا.. لا laquo;الأمة 2011raquo;.. مثلا!

ولا بد أن الذي صاغ الشعار بهذه الطريقة، يفترض أن الناخب في عام 2012 ليس هو الناخب في أي سنة سابقة، ثم يفترض الشيء نفسه في النائب، الذي سوف نتخيل من جانبنا نحن، أنه الآن، ليس مجرد مرشح، وإنما هو نجح ودخل إلى البرلمان بالفعل.

إذن.. فالسؤال هو: إذا كنا سوف نضمن أن ناخب 2012 في الكويت، هذا العام، يختلف تماما، عن الناخب في سنوات سابقة، فإن علينا، في المقابل، أن نضمن أن تكون نوعية النائب، مختلفة هي الأخرى، عما كانت عليه من قبل، على مدى 14 برلمانا جرى انتخابها منذ إعلان استقلال الدولة الكويتية في مطلع الستينات.

وهذا، بدوره، هو الرهان الصعب، لأن كل نائب في برلمان 2012 عليه أن يدرك عدة حقائق قد تبدو بديهية، ومع ذلك، فإنها تغيب عن كثيرين، ليس فقط على مستوى نواب برلمان الكويت، وإنما أيضا على مستوى برلمان الثورة في القاهرة على سبيل المثال.

من بين هذه الحقائق، أن دخول البرلمان بالنسبة للمرشح، يبقى وسيلة، وليس غاية في حد ذاته.. وبمعنى آخر، فإن المرشح الذي يسابق جميع منافسيه من أجل الفوز بمقعد داخل مجلس laquo;الأمة 2012raquo;.. هذا المرشح المفترض فيه أن يعرف جيدا، أن وصوله إلى داخل مجلس الأمة له هدفان اثنان لا ثالث لهما: أولهما مراقبة أعمال الحكومة في كل ما يخص علاقتها بالمواطنين، وثانيهما تشريع القوانين التي تيسر حياة الناس في هذا الزمن الصعب.

قد يرد واحد هنا ويقول: وما الجديد في هذا؟ إن برلمانات الدنيا كلها لا تنشأ في الأساس إلا لتؤدي هاتين الوظيفتين؟!

وسوف أقول إن هذا صحيح، ولكن مراجعة أداء مجلس الأمة الكويتي، على طول سنوات مضت، تكشف لنا عن أن هذا المعنى كان يغيب كثيرا، عن عدد لا بأس به من أعضائه، وكانت الكويت تجد نفسها كل شهور لا تتجاوز في عددها أصابع اليدين، وربما أقل، على موعد مع برلمان جديد، أو حكومة جديدة، لا لشيء، إلا لأن الذين كانوا يستجوبون رئيس الحكومة، أو أحدا من أعضائها، كانوا في الغالب يتعاملون مع الاستجواب، وكأنه غاية في حد ذاته، مع أنه مجرد أداة من أدوات ممارسة الرقابة من جانب البرلمان على الحكومة، فالاستجواب، ومعه laquo;السؤالraquo;، ثم laquo;طلب الإحاطةraquo;، ثلاث أدوات يمارس بها البرلمان المصري - مثلا - رقابته على أعمال الحكومة.. أو هكذا كنا نفترض في كل برلمان سابق على برلمان الثورة الذي تشكل مؤخرا، ولم نجرب طريقة أدائه لمراقبته علي الحكومة بعد!

كان أي متابع للحياة السياسية الكويتية، خلال السنوات الخمس الأخيرة، على الأقل، يكتشف أن الاستجواب قد انقلب من أداة رقابة فعالة على الحكومة، إلى وسيلة من وسائل تعطيل الحكومة عن أداء دورها، وتعطيل البرلمان نفسه، عن أداء دوره هو الآخر، كسلطة تشريعية في البلاد.. وبطبيعة الحال، فإن استجوابات كثيرة، كانت تراعي أصول العمل البرلماني، في التعامل مع الحكومة، ولكن كانت هناك استجوابات أكثر، لا تراعي أي أصل من هذه الأصول، وكان الهم الأكبر لها، هو دفع الأمير إلى واحد من طريقين: إقالة الحكومة، أو حل البرلمان، وقد تكرر هذا كثيرا إلى الدرجة التي ضج منها الناس، فضلا عن أمير البلاد نفسه، الذي كان يعبر عن ضيقه، وربما يأسه، في مناسبات كثيرة، من هذا النوع، ولم يكن يجد مفرا من حل البرلمان في كل مرة، أو إقالة الحكومة، ليبدأ الطرفان صفحة جديدة، فإذا بهما بعد شهور قليلة، أمام المأزق ذاته!

كانت الكويت، ولا تزال، تملك تجربة برلمانية حيوية، وكانت حيوية هذه التجربة موضع إعجاب لدى كثيرين من المواطنين، في أكثر من عاصمة عربية.. ورغم هذا، فإن التفريط الذي كان يميز برلمانات عربية كثيرة، في استخدام الاستجوابات، كان يقابله، في الناحية الأخرى، إفراط في استخدام الاستجواب في برلمان الكويت، وكان التفريط خارجها، كالإفراط داخلها، يفسد البرلمانات في الحالتين، ويكاد يفرغها من مضمونها الذي نعرفه، ونراه في برلمانات العالم المتطور.

الرهان في برلمان laquo;الأمة 2012raquo; الكويتي، يظل على النائب، لا الناخب طبعا، وسوف يكون أداء النائب فيه، خلال أسبوعين أو ثلاثة من الآن، هو الدليل على أن برلمان 2012 يختلف عما سبقه، أو يحدث العكس، فيكون البرلمان الجديد مجرد حلقة في سلسلة ممتدة من حلقات، ويعيد - بالتالي - إنتاج برلمانات سابقة عليه!