خالد هنداوي

يا ظلام السجن خيّم
إننا نهوى الظلاما
ليس بعد الليل إلا
فجر مجد يتسامى


أجل؛ فالسجن مدرسة الأبطال الشجعان والأحرار الشرفاء مادام ذلك في سبيل الله والوطن والرأي الحق والسياسة الرشيدة التي لا ينهض ذووها ضد الحاكم المستبد والدكتاتور الظالم إلا لمصلحة الأمة التي تنشد الحرية والكرامة في حياتها وكم أفلح الثوار الأخيار في سورية حين أطلقوا على الجمعة الماضية شعار جمعة quot;معتقلي الثورةquot; فقد بلغ السيل الزبى وطفح الكيل بامتهان حقوق البشر من حيث الاعتقال منذ أكثر من عشرة أشهر حتى شمل الأطفال والشيوخ والنساء في ظروف يعيشها المعتقلون لا تكاد تجد لها مثيلاً في بلد من العالم مع أن المفروض أن يقبع في هذه السجون حكامنا الأشرار وأتباعهم الشبيحة وعلماء النفاق وبعض التجار الفجار والمنتفعون من موائد اللئام في هذا النظام وفي وقت كم يخطط فيه عمداً أن يرتفع التحوت على الوعول أي أسافل الناس على كرامهم وذلك من علامات الساعة كما جاء في الحديث الصحيح، لكن أبطالنا الأشاوس يعتبرون السجن خلوة كما اعتبره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ويصطبرون مع شدة الألم أمَاَ قَرَنَ الله السجن بالعذاب الأليم في حق يوسف عليه السلام quot;الآية: 52quot;، لأنه من العقوبات البليغة وإن كانت تعزيرية، وإنه لمن الابتلاء الشديد أن يزج بالأطهار الثوار فيه.. إن اخوانهم المتظاهرين الأوفياء ومعهم هذا الشعب الحديدي المغوار لم ولن ينسوا من كسروا جدار الخوف وقابلوا الظلم الوحشي والقمع السادي بصدورهم المفتوحة وكلهم ينشد شعر قائد الجيل مصطفى السباعي رحمه الله:
هيهات يا صاحبي آسى على زمن
ساد العبيد به واقتيد أحرار
إن سورية قد كانت في زمن حافظ الأسد سجناً كبيراً وهي اليوم سجن أكبر للجماهير كلها حتى اليوم لم تكتو بنار سجن بشار لأن صاحب الضمير الحر لا يمكن أن يرضى بعيش الاعتقال على حد ما عبر عنه المؤرخ الإمام المحبي بقوله: ونفس الحر تأبى الاعتقال. وقد يضمك هذا الحر ومعه أحرار العالم ملء شدقيه وهو يسمع بشار يتحدث عن الإصلاح ويكرر ذلك في خطابه الأخير والاعتقالات والاغتيالات للمتظاهرين جارية على قدم وساق قبل وأثناء وبعد الكلام بكل تهديد ووعيد للضرب بيد من حديد، ولكن هل خاف الأحرار من الزئير الخطير أم اقتحموا الساح كالأسود المغاوير؟ وإننا قد أصبحنا مقتنعين بأن حماية شبابنا الأسرى والمدنيين هي مهمتنا نحن إن خذلتنا الجامعة العربية والأمم المتحدة ومجلس الأمن وإن كنا ربما لا نزال نضع مواقفهم في خانة التهاون لا للتآمر على ثورتنا الحرة لسورية البرة إننا ندرك تماماً أن النظام القاتل لم يعتقل أحبابنا إلا لأنه لا يعرف النور بل الديجور وليخمد انتفاضتنا ويستخدم المعتقلين ورقة ضغط يفاوض عليها وليبتز جنوده أهل المعتقلين فكم طلب الخبثاء ومازالوا الأموال الوفيرة لرؤية سجين أو افتدائه حراً ما حتى أصبح ذلك ظاهرة لا تخفى على القاصي قبل الداني فياللعار.
إن الثوار في الشام قد باعوها لله وهم يهتفون دوما وتهتف معهم كل ذرة في سهل وجبل وبر وبحر: ليس لنا غيرك ياالله ولابد أن ينتصروا عاجلا أو آجلا ولن يعودوا وفاء للشهداء ولو ثبتوا مائة عام؛ فاعتقل ما شئت فأنت ومن معك والله المعتقلون حقا وإذا كذبت على المراقبين أنك أفرجت عن معتقلين فالدنيا تشهد أنك نقلت آلاف الآخرين إلى الثكنات العسكرية والأماكن السرية التي يحال بينها وبين المراقبين وأنك لم تفرج حتى عن 3% منهم، إن شعبنا البطل لن يعجز عن التحرير وسيكون أقوى من ثوار الثورة الفرنسية الذين إنما بدأوها بتحرير سجن الباستيل وقاوموا عشر سنوات وقدموا 17 ألف قتيل لأجلها والحرب بين الحق والباطل سجال بين مد وجزر وفي النهاية فالغلبة للمظلومين لا للظالمين والمتآمرين والطائفيين الوحوش، نحن نعرف في تاريخنا المضيء ndash; كما ذكر ابن حزم في المحلي 9/383 ndash; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له سجن قط حتى سمي ذلك المجتمع مجتمعا بلا سجون! ونقول لمن ذكر أن النبي حبس في المساجد ثمامة بن أثال حيث ربط بسارية من سواري المسجد كما في صحيح البخاري برقم 2291 فقد نقل ابن حجر في فتح الباري 1/556 عن الإمام النووي أن ذلك كان حبسا لمدة يومين، وقد نقل أهل العلم كما في النظم الحديثة لإدارة المؤسسات العقابية ص 205 لليوسف أن هذا أقرب ما يكون لما يسمى بالسجون المفتوحة ndash; نظام الحرية ndash; حيث لا يعيش السجين معزولا اجتماعيا ولا يفكر بالانتقام من ساجنيه، بل ذكر العلماء أن المعاملة الحسنة لثمامة في هذين اليومين جعلته يدخل في الإسلام فهذا هو الإصلاح الحقيقي وقس على ذلك شأن الحبوس في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والسلف الصالح رضوان الله عليهم فهي مأوى العقاب التعزيري للإصلاح لا للإفساد.
وقد ذكر علماء الفقه والقانون أنه لا يجوز القبض على أحد واستيداعه السجن لمجرد مخالفته الآراء السياسية للسلطة إلا أن يمس الشريعة وأن سجن أهل البغي جائز بشرط أن يعاملوا المعاملة الحسنة ونحن نسأل من يسجن من ومن يعفو عن من وهل الباغي طالب الحق والحرية أمام الحاكم الظالم القاتل المستبد الذي يفتن هو الناس عن دينهم وكرامتهم؟ وإن السلطة الغاشمة في سورية لا تعرف للإنسان قيمة بشرية ولا قانونا إنسانيا للتعامل مع سجناء الرأي إذ السجن في القانون له وظيفة تتمثل في احتجاز الموقوفين انتظارا للحكم عليهم أو إطلاقهم وفي الشريعة لا يجوز أن تزيد مدة التوقيف عن شهر واحد للبت في الأمر لأن الأصل براءة المتهم وليس تهمته والقبض عليه دون إذن قضائي، إن أكثر من مائة ألف معتقل ثوري مازالوا يعانون الأمرين في سجون هذه العصابة وبوضع لا تتحقق فيه أدنى الحقوق للسجناء من حق الزيارة أو معرفة السجن الذي هم فيه مع ظروف غاية في السوء من الإهانات في الدين والعرض، ناهيك عن ضرب الوجه والتعذيب الذي قتل تحته المئات لفظاعته وشناعته وهم على ذمة التحقيق، لقد كانت وصايا الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز أنبل وثيقة للولاة برعاية السجناء ماديا ومعنويا ثم جاء أبو يوسف القاضي الفقيه وقدم وثيقة أخرى لهارون الرشيد تعتبر قمة في الحفاظ على السجناء والأسرى حتى من المشركين وقد قرأت رسالة الماجستير عن أحكام السجناء وحقوقهم للدكتور محمد راشد العمر وإسقاط ذلك على سجون سورية فوجدت أنه قد لا نرى من حقوقهم إلا النزر اليسير، وهذا ما سنتناوله في المقال القادم إن شاء الله، اللهم فرج عن المعتقلين واحمهم من هذه الوحوش الكاسرة يا منتقم يا جبار.