فهمي هويدي

حين تحدث نائب رئيس حزب النور ومرشح الحزب لمنصب وكيل مجلس الشعب المهندس أشرف ثابت فإنه دعا إلى تعديل لائحة المجلس لكي لا يسمح لأي فصيل بإقصاء أو تهميش فصيل آخر، وقال في الكلام الذي نشرته جريدة laquo;الشروقraquo; على لسانه أمس (الأحد 22/1) إن المطلب الأول لحزبه هو الوفاء بمتطلبات الثورة، ومعالجة الأسباب التي أدت إلى انطلاقها وأهمها الفساد الذي عم البلاد، وأنهم يسعون إلى تبني حقوق الشهداء والمصابين وتكريمهم، وحين تحدث عن مشروع laquo;النورraquo; للإصلاح في مصر قال إنه يشمل ثلاثة محاور أولها الإصلاح التشريعي الذي يؤدي إلى إصلاح الحياة السياسية وثانيها الإصلاح الأمني ثم الإصلاح الاقتصادي، ودعا إلى التحرك على هذه المحاور الثلاثة في الوقت نفسه، وفي الشأن الاقتصادي قال إن حزبه يتطلع إلى إحداث نهضة اقتصادية شاملة، معتبرا أن الصناعة ينبغي أن تحتل الأولوية في هذه النهضة، وأن الاعتماد على الذات مع التركيز على الصناعات الصغيرة من الأمور التي ينبغي التركيز عليها، وفي الوقت ذاته فإنه انتقد لجوء الحكومة إلى الاقتراض من الخارج، الذي وصفه بأنه يؤدي إلى الانهيار الاقتصادي.
في الشق المتعلق بالأمن قال إن حزبه أعد خطة عالجت أوضاع الضباط وأمناء الشرطة والجنود، وتطرقت إلى ثقافة حقوق الإنسان التي ينبغي إشاعتها بين الجميع، وإلى مؤهلات الجنود التي ينبغي أن تكون بين المتوسطة وفوق المتوسطة، ليكون الجندي متمتعا بدرجة من الوعي تنعكس على معاملته للمواطنين، كما تحدثت الخطة عن أهمية تحسين أجور العاملين بالشرطة قبل مطالبتهم بضرورة الالتزام بالنزاهة والعدالة مع الناس.
يفاجئنا هذا الخطاب الذي يتطرق إلى تطبيق الحدود الشرعية وإغلاق الحانات والملاهي، ولا تحدث عن منع المايوهات النسائية أو حظر الخمور، وملاحقة المتبرجات في الشوارع وفرض الحجاب عليهن، مع المطالبة بتغطية التماثيل سترا للعورات وفرض الرقابة على السينما والتلفزيون، وإلزام المبدعين بارتداء العمائم وإطلاق اللحية، إلى غير ذلك من الأفكار التي باتت تتردد في وسائل الإعلام وتنذر الجميع بأن مصر بعد الثورة سائرة في طريق الندامة، الذي يفضي إلى تطبيق الأفكار الوهابية واحتذاء النموذج الطالباني.
فهمت من كلام صاحبنا أنه يتحدث عن مشروع حزب النور، الذي لم يتح لنا أن نطلع عليه، ولكن إذا كانت تلك بعض الأفكار التي يتبناها فأحسب أنها تستحق الاحترام وجديرة بالترحيب، سواء اتفقنا معها أو اختلفنا عليها، ولا أعرف بالضبط ما إذا كان هذا الكلام الذي قاله من ثمار عملية التثقيف الداخلي التي خضع لها مؤخرا ممثلو الحزب في مجلس الشعب، وتحدثت عنها بعض الصحف، أم أن ممثلي الحزب توافقوا عليها، حيث شرعوا في خوض الانتخابات لتحسين صورتهم أمام الرأي العام، أيا كان الأمر، فالكلام الذي قاله الرجل مهم لا ريب، كما أن ما تجاهله ولم يتطرق إليه مهم أيضا.
لقد قلت في مقال سابق إن السلفيين في مصر ليسوا شيئا واحدا، رغم أن وسائل الإعلام دأبت على التخويف منهم جميعا والتحريض عليهم طوال الوقت، وأشرت إلى أن بينهم العقلاء المعتدلين والمتطرفين الذين أوغلوا في فقه الرواية، وانفصلوا عن الواقع بحيث لم يعوا شيئا من فقه الدراية، وأحسب أن الكلام الذي سبقت الإشارة إليه مما يتداوله العقلاء الذين جمعوا بين الرواية والدراية، فأحاطوا بالنصوص والأحكام، ولامسوا الواقع ولم ينفصلوا عنه.
لن يخلو الأمر من واحد من السلفيين يخرج علينا صائحا: البكيني أولا، ولست أشك في أن وسائل الإعلام سوف تركض نحوه وستحوله إلى نجم وفقيه أصولي، يفتي في أمور الدين والدنيا، كما أنني لن أستغرب إذا تم تجاهل أي كلام مسؤول يصدر عن أحد العقلاء، لأن فكرة شيطنة السلفيين التي سبق أن أشرت إليها هي المهيمنة على الخطاب الإعلامي، باعتبارها تخدم فكرة الفزاعة الإسلامية التي لم تتخل عنها وسائل الإعلام المصرية منذ نصف قرن.
لدي الكثير الذي يمكن أن يقال بخصوص الفكر السلفي، لكن إذا كان بينهم من يشارك في الإصلاح بمثل الأفكار التي عبر عنها المهندس أشرف ثابت، فإننا نصبح بصدد مساحة للمشترك تستحق أن تتوافق عليها مختلف القوى الوطنية.
ليس مطلوبا منا أن نتفق معهم في كل شيء، ولكنني أدعو لأن نتعاون معهم ومع غيرهم فيما اتفقنا عليه، وأن يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، كما قيل بحق، وليتنا نمد الأيدي ونفتح الأبواب لكل من كان راغبا في الإصلاح، حتى ولو كان سلفيا.