محمد مصطفى علوش


منذ بدء الأزمة في سورية قبل عشرة أشهر تقريبا، ونحن نسمع عن احتمال انزلاق سورية ولبنان والعراق والمنطقة برمتها الى حرب أهلية وطائفية، وما فتئ النظام السوري يحذر من تمدد الاضطرابات التي تجتاح سورية الى عموم المنطقة إذا ما استمرت المؤامرة الخارجية التي تستهدف بلاده بهدف تفتيتها الى دويلات طائفية، على حد وصفه.
ولا يقف الأمر عند التحذير السوري، بل يتعدى الى قادة إقليميين ودوليين، وفي هذا يبدي الرئيس التركي عبد الله غول خوفه من سقوط سورية في حرب أهلية، أما رئيس حكومته رجب طيب أردوغان فيرى أن سورية في طريقها الى حرب أهلية، محذراً في الوقت ذاته من انزلاق العراق الى حرب طائفية هي نفسها. لكن الواقعة الأكثر صدماً للنفوس ما رواه عبد الحليم خدام النائب السابق للرئيس السوري في حديثه لقناة العربية من أن الأسد أبلغ وزيراً لبنانياً دون أن يسميه بأنه سينشئ laquo;دولة الساحلraquo; حيث الغالبية العلوية التي ينتمي اليها.
وإذا كان البطريرك الماروني بشارة الراعي خلال لقائه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في بيروت أخيرا قال إنه يخشى من وقوع حرب أهلية سنية- شيعية في سورية تؤدي الى تهجير المسيحيين في المنطقة، كما حصل في العراق حيث تم تهجير حوالى مليون مسيحي، فإن تقارير صحفية من داخل سورية تقول إن الحرب الاهلية صارت أمرًا واقعًا، laquo;بينما الوقائع المتداولة تنبئ بأن الفرز السكاني على الأسس الطائفية أوشك على الانتهاء وبات يفتح الباب لاحتمال الانتقال من الديموجرافيا إلى الجغرافيا السوريraquo;، على حد وصف صحيفة السفير اللبنانية.
اللافت في المشهد كله، أن الجميع، مؤيد ومعارض للنظام السوري، يحذرون من الحرب الأهلية في المنطقة كلها بغض النظر عمن يسعى لإشعالها، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أن الخطر حقيقي وليس من باب التهويل أو التخويف.
وإذا ما استقرأنا واقع الحال في الدول المُهددة بهذه الحرب الطائفية وفقاً للتنبؤات السابقة، نجد أن لبنان زادت وتيرة الأضطربات الأمنية فيه خلال الشهرين الماضيين على نحو لافت. أما العراق فهو البلد الأكثر خطورة، حيث لم يتعاف بعد من آثار الحرب الطائفية. كما أنه مع الخروج الاميركي منه زادت مؤشرات عودة الحرب الطائفية إليه، فالصراع السياسي القائم بين رئيس الحكومة نوري المالكي ونائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي ثم التفجيرات التي عادت، وتهديد محافظات بتحويل نفسها الى اقاليم على غرار اقليم كردستان جميعها مؤشرات على ما سبق.
وسواء صحّت الإتهامات التي تسربها جهات مقربة من طارق الهاشمي ان ايران تقف وراء الحملة التي يشنها عليه نوري المالكي بسبب مواقفه من أحداث سورية، أو أن الأمر برمته محض قضائي تبقى خطورة السير في الحرب الطائفية قائمة.
والتساؤلات التي تطرح نفسها بقوة، لماذا تنعدم اللّحمة الوطنية في بعض دول المشرق العربي عند أي محنة؟ ولماذا التواصل الثقافي والاجتماعي بين مكونات المجمتع الواحد تكون ضعيفة الى حدّ ينذر بتمزيقها عند أول خرطوشة؟ هل من المنطق التركيز على كشف هوية الجهة التي تتعمد اشعال الحرب الأهلية هنا وهناك، ونقفز على الأسباب التي سبّبت هذه الحالة من التشرذم المذهبي والطائفي؟ واذا كانت بعض النظم السياسية مسؤولة عن حالة التردي في المجتع فأين مؤسسات المجتمع المدني؟ ولنتذكر المفكر الجزائري مالك بن نبي حين سئل عن سبب قدرة فرنسا على المكوث في بلده 130 سنة في حين لم تفلح ألمانيا النازية بالمكوث في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية أكثر من بضعه أشهر فأجاب بن نبي: إذا دخل الفيروس الجسم المريض تمكن منه، والجسم السليم المعافى يطرد كلّ فيروس.