كتب: Lawrence Haas

هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز، لكن أوضحت الولايات المتحدة أنها لن تسمح بحصول ذلك، إذ يتوقع عدد متزايد من الخبراء الآن احتمال حصول اعتداء أميركي أو إسرائيلي أو هجوم مشترك على مواقع إيران النووية.
ما الخطط التي يجب أن يفكر بها الأميركيون وحلفاؤهم لمنع الأهوال الناجمة عن تسلح إيران نووياً؟ بعد التفكير في هذا السؤال جدياً، من الأفضل أن يتجاهل قادة الغرب نصائح المراقبين عن الوضع الإيراني.
يوشك الغرب الآن على دخول مرحلة خطيرة في مواجهته مع إيران، لكن لا يعود ذلك أساساً إلى تصاعد التوتر بين الفريقين بل إلى توصيات ldquo;الخبراءrdquo; الفاشلين بشأن كيفية تبديد الاضطرابات السائدة.
في خضم الجهود الرامية إلى إقناع إيران بالتخلي عن طموحاتها لامتلاك أسلحة نووية، يخوض الغرب سباقاً ضد الوقت. في المقابل، تتابع طهران تقدمها وقد أعلنت حديثاً أنها تخصّب اليورانيوم في موقع ثانٍ (وهو موقع محصن أكثر من غيره ضد أي اعتداءات محتملة). في الوقت نفسه، نشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً يفيد بأن طهران أجرت اختبارات تؤكد رغبتها في اكتساب الإمكانات اللازمة لتصنيع أسلحة نووية.
في غضون ذلك، فرضت الدول الغربية عقوبات جديدة على إيران للحد من عائداتها النفطية وتقليص مشاركتها في الاقتصاد العالمي. فهددت إيران بالرد على ذلك عبر إغلاق مضيق هرمز، لكن أوضحت الولايات المتحدة أنها لن تسمح بحصول ذلك. يتوقع عدد متزايد من الخبراء الآن احتمال حصول اعتداء أميركي أو إسرائيلي أو هجوم مشترك على مواقع إيران النووية.
في ظل احتدام الوضع، يجب ألا يتفاجأ أحد إذا اقترح بعض مراقبي الوضع الإيراني مسارات لتبديد التوتر السائد وتجنب مواجهة كبرى. قد تكون نواياهم حسنة، لكن في حال أخذها المعنيون على محمل الجد، فقد تترافق مع نتائج عكسية أو حتى عواقب مباشرة وخطيرة.
في مقال نشرته صحيفة ldquo;نيويورك تايمزrdquo; قبل أسبوع مثلاً، اعتبر شبلي تلحمي وستيف كول من جامعة ميريلاند أن الحل الفاعل يقضي بإقناع إسرائيل بالتخلي عن أسلحتها النووية الخاصة بدل حثها على الاختيار بين تقبل إيران المسلحة نووياً أو الاعتداء عليها لمنعها من تحقيق طموحاتها.
كتب المحللان: ldquo;إذا أصبح برنامج إسرائيل النووي جزءاً من المعادلة، فستتغير قواعد اللعبة، فتتهم إيران الغرب حتى الآن باستعمال معايير مزدوجة لأنه لا يطالب بنزع أسلحة إسرائيل، ما أكسبها عدداً كبيراً من المعجبين في أنحاء العالم العربي، وسيصعب على إيران أن ترفض حل إنشاء منطقة تخلو من الأسلحة النوويةrdquo;.
باختصار، تُعتبر الازدواجية العالمية الدافع الأساسي وراء رفض إيران التخلي عن مساعيها النووية.
يشير المحللان إلى إمكان منع طهران من استعمال الأسلحة النووية بعد تطويرها، وهما يعتبران أن القادة الإيرانيين سيشعرون بالقلق من احتمال مقتل ملايين الفلسطينيين والإيرانيين بسبب أي اعتداء إسرائيلي مضاد، وأن إيران النووية لا تطرح ldquo;تهديداً وجودياًrdquo; على إسرائيل بقدر ما يظن بعض مؤيدي خيار الحرب. فضلاً عن ذلك، هما يظنان أن وضع ldquo;المراوحةrdquo; بين إسرائيل وإيران بسبب الملف النووي قد يؤخر أو يمنع عقد السلام في المنطقة. من خلال طرح فرضيات مشبوهة ومتلاحقة، يريد المحللان تحويل مخاوف العالم بشأن طموحات إيران النووية (علماً أن معظم العرب يشاركونه هذه المخاوف) إلى خلاف ثنائي بين طهران والقدس مع الحرص على اعتبار الدولة اليهودية المذنبة الأولى في هذه القضية. إنه تحليل صادم على جميع المستويات!
لكن إذا كان تلحمي وكول يطرحان أفكاراً جديدة وسخيفة بشأن الملف الإيراني، فيجب ألا ننسى أن مجموعة أخرى من مراقبي الوضع الإيراني قدموا نظريات معاكسة ومتطرفة فاعتبروا أن مفتاح النجاح لا يزال متعلقاً بالمقاربات البالية التي لم تحقق إلا الفشل حتى اليوم.
في 13 يناير، كتب راي تقيه من مجلس العلاقات الخارجية افتتاحية في صحيفة ldquo;واشنطن بوستrdquo; للاستهزاء باغتيال العالِم النووي الإيراني أخيراً (كانت العملية على الأرجح من تخطيط إسرائيل أو الولايات المتحدة أو الطرفين معاً) لأن ldquo;هذه الخطوات انهزامية بمعنى أنها لا تنجح فعلاً في إبطاء برنامج إيران النووي بل إنها تصب في مصلحة النظام الذي يسعى إلى تعزيز الانقسام في الأوساط الدوليةrdquo;.
وتابع قائلاً: ldquo;لضمان تماسك التحالف الدولي، تقضي أفضل طريقة بالتشديد على أن السلوك الإيراني يتعارض مع معايير الشرعية طالما تتابع طهران تخصيب اليورانيوم مع تحدي قرارات الأمم المتحدة وتهديد حركة المرور البحري السلمي. سيؤدي أي تحرك من شأنه تحويل الأنظار عن السلوك الإيراني غير القانوني إلى تأخير الجهود الرامية إلى نزع أسلحة الجمهورية الإسلاميةrdquo;.
صحيح أن الاغتيالات الغامضة التي تستهدف العلماء قد تثير مخاوف المجتمع الدولي، لكن تقيه يذكر أن التركيز على السلوك الإيراني غير القانوني والعقوبات المترتبة عليه لم ينفع فعلاً في إبطاء مساعي طهران النووية، بل على العكس من ذلك، تعمد إيران إلى تخصيب كمية إضافية من اليورانيوم، من دون حسيب أو رقيب، وإلى تطوير أجهزة أفضل للطرد المركزي لتعزيز عمليات التخصيب، بما يتعارض مع الخطوط الحمراء التي حددها الغرب تزامناً مع تجنب الأزمة التي يمكن أن تهدد برنامج إيران النووي أو حتى نظامهاrdquo;.
ومع ذلك، يحذر تقية من اتخاذ تدابير قد تهدد ldquo;التحالفrdquo; الذي تسبب في ذلك الفشل أصلاً. هذا التحليل صادم بالقدر نفسه.
صحيح أن تقية يحذر من تكثيف حملات الاغتيال، ولكنه تجنب في المقالة التي كتبها في صحيفة ldquo;نيويورك تايمزrdquo; التحدث عن التحرك العسكري لمنع إيران من التسلح نووياً واعتبر أن أي ضربة محتملة ضد مواقع إيران النووية ستكون ldquo;كارثيةrdquo;.
كذلك، ذكرت صحيفة ldquo;تايمزrdquo;: ldquo;لا نعرف إذا كان خليط العقوبات والحوافز قادراً على إقناع طهران بالتخلي عن طموحاتها النوويةrdquo;. ثم عادت الصحيفة وطرحت فكرة قديمة، ولكنها ادعت أنها جديدة ومبتكرة.
فقد جاء في صحيفة ldquo;تايمزrdquo; أيضاً: ldquo;يبرز خيار آخر عدا استعمال القوة مثل التفاوض مع الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى بشأن وقف برنامج إيران النووي مقابل إنهاء العقوبات والعزلة الدبلوماسية. لم تلتزم القيادة المنقسمة في إيران حتى الآن بأي محادثات جدية، لكن في المقابل لم يكن اهتمام الرئيس أوباما وحلفاؤه كافياً بهذا الحل البديلrdquo;.
ربما يجب أن نتساءل عما إذا كان الصحافيون في صحيفة ldquo;تايمزrdquo; يتذكرون أحداث الماضي بأي شكل أو يستعينون بمساعدين لإجراء الأبحاث. لقد اتبعت الولايات المتحدة وحلفاؤها هذه الصيغة نفسها (أي التفاوض لوقف البرنامج النووي مقابل إنهاء العقوبات والعزلة الدبلوماسية) منذ أن كشفت مجموعة إيرانية معارِضة عن برنامج إيران السري أمام العالم قبل عقد من الزمن.
جرب الرئيس بوش المقاربة نفسها، فسمح للقادة البريطانيين والفرنسيين والألمان بالتفاوض مع إيران بشأن البرنامج النووي، ثم جرّبها الرئيس أوباما فلوّح باحتمال تقديم حوافز اقتصادية وتعزيز اندماج البلد في العالم إذا تخلت إيران عن أسلحتها النووية. فشل بوش وأوباما في مساعيهما، ولا يعود ذلك حصراً إلى أنهما لم يبذلا جهوداً كافية، بل إن النظام الإيراني المتطرف كان (ولا يزال) يبدي اهتماماً بتطوير الأسلحة النووية أكثر من اهتمامه بالسخط العالمي الناجم عن هذه النشاطات.
دعت صحيفة ldquo;تايمزrdquo; إلى تشديد العقوبات حتماً، لكن من خلال استبعاد الخيار العسكري، لم تعرض هذه الصحيفة الأميركية العريقة أي خطة جدية أمام العالم في حال ثبت أن تشديد العقوبات لن يفيد أكثر من العقوبات المحدودة السابقة التي اعتُمدت حتى الآن.
كذلك، لم تقدم سوزان مالوني من معهد بروكينغز أي طرح جديد. في افتتاحية كتبتها في صحيفة ldquo;وول ستريت جورنالrdquo; قبل أسبوع، تذمرت من أن العقوبات الأميركية الجديدة على إيران تشير إلى انهيار المعيار الذي يوجّه صناعة السياسة الأميركية تجاه إيران منذ ثورة عام 1979 (أي الخلط بين الضغوط والحوافز).
إليكم الأنباء الحسنة: تعترف مالوني بأن واشنطن كانت تحث على التفاوض مع إيران منذ فترة طويلة، أما الأخبار السيئة فهي أنها لا تقدم أي سبب مقنع لتبرير متابعة المقاربة نفسها.
بينما تتابع إيران تقدمها على المستوى النووي، يواجه الأميركيون وحلفاؤهم سؤالاً ملحّاً: ما الخيارات التي يجب أن يفكروا بها (بما في ذلك استعمال القوة) لمنع تداعيات إيران المسلحة نووياً؟
بعد التفكير بهذا السؤال جدياً، من الأفضل أن يتجاهل قادة الغرب نصائح المراقبين الفاشلين في الشأن الإيراني كونهم يقدمون نظريات جديدة وسخيفة أو يكررون النظريات القديمة.