علي سعد الموسى

من المبكي بمكان في زمن الربيع العربي أن يجهش النقي اليمني محمد سالم باسندوة بالبكاء وهو يطلب الحصانة للرئيس المغادر لأنه يعلم أنه، أي باسندوة، سيتحول إلى صنم للشتم ونصب للاستهزاء والملاحقة الكلامية. وعلى مسؤوليتي، فإن الداء العضال الذي تحمله هذه الثورات العربية المتلاحقة في جسدها ليس بأكثر من روح الانتقام، لأن تصفية الحسابات وتذكية الأحقاد ستبقيها في ذات المربع الذي ابتدأت منه وستشغلها عن مقارعة ما كانت هذه الثورات لأجله من البناء والتنمية.
نحن أمة لا تقرأ أوراق التاريخ في دروسها الواضحة الجلية. أول دروس هذا التاريخ الحديث ما كان للإمام الموحد عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل نصف قرن كامل من حروب التوحيد ومعارك الوحدة حتى يجمع كل هذا الشتات المتناثر ويصهر كل هذه الفسيفساء في لوحة واحدة. وفي كثير من هذه الأحداث كان يدخل ذات المعركة لأكثر من مرة وأكثر من زمان ومكان ومع هذا كان درس الإمام الموحد هو جملة النهاية. لم يلجأ هذا العملاق لروح الانتقام وتحول أعداء الأمس معه إلى جلساء في ديوانه وأصفياء خلص من حوله في قيادة دولته ولولا روح التسامح وشيمة الارتفاع عن دفاتر الماضي لما استطاع عبدالعزيز أن يصل بنا إلى مثل هذا اليوم ولما استطعنا جميعا أن نبني وطنا يقود اقتصاد الدنيا ويتحكم بمفاتيح الريادة في إقليمه وفي محيطه. الزعيم هو من يرفع نفسه عن الصغائر لأنه حين يرتفع عنها فهو لا يرفع نفسه فحسب، بل شعبه الكامل معه.
وفي الدرس الثاني، نسيت نشرات الأخبار أن نيلسون مانديلا بعث في إبريل الماضي رسالة مؤثرة إلى شعوب العرب ليذكرها بقيم العفو والتسامح مثلما يحذرها أن الانزلاق في الثأر لا يبني وطنا بقدر ما يصنع بذور الانكسار والهزيمة. لم يتحمل ثائر في كل التاريخ الحديث أعشار ما لقيه مانديلا في كفاحه الطويل صوب الحرية التي كان يطلبها لأمته وشعبه. ثم كان ما كان حتى وصلنا معه إلى الصورة الكبرى في كل صور هذا القرن وهو يستقبل سجانه الأبيض بالأحضان وبالدموع أيضا في مكتبه الرئاسي ولولا هذه الروح لما كانت دولة جنوب أفريقيا تاج القارة ورأسها المختلف وعمقها الديموقراطي بعد أن ظن الجميع أنها ستغرق في الثأر والانتقام. بعض الأفراد يأتون للحياة وهم بذور بناء في حياة الشعوب والأمم.