عبد الرحمن الراشد

المفتشون الذين أرسلتهم الجامعة عانوا في مهمة عشرين يوما فقط مع أن واجباتهم كانت محصورة في كتابة تقرير عن حقائق يشاهدها الجميع دون الحاجة إلى تذكرة سفر إلى حيث جحيم سوريا المستعر منذ عام تقريبا. لم يدخل المفتشون المعتقلات، ولم يفتشوا الدور العسكرية، ولم يتجرأوا على مساءلة القيادات السياسية أو الأمنية أو العسكرية، ومع هذا عرقلت السلطات السورية مهامهم البسيطة.

إذن، هل يعقل أن تضع الجامعة العربية برنامجا يعزل بشار الأسد من الرئاسة، ويفتح الباب للمعارضة، وينقل الحكم عبر الانتخاب؟ لا بد أن تكون الجامعة ساذجة جدا لأن تطلب من الشعب السوري والمجتمع العربي والدولي أن يمنحها أشهرا إضافية لأفكار لا تمت إلى الواقع الأليم والخطير.

منذ شهرين ونحن نسمع شذرات إشاعات تقول إن إيران تقترح على نظام الأسد تشكيل حكومة وطنية لتمييع القضية، بل وسمت بضعة أسماء تحت غطاء أنهم معارضون، والمعارضة تعتبرهم مجرد ديكور مزور، وهم وراء فكرة منع التدويل وحصر الحل في يد الجامعة العربية التي لا سلطة في يدها.

من ذاك الذي سيصدق أن النظام الذي يقتل المتظاهرين العزل كل يوم، ولم يمر يوم واحد أبدا بلا قتل متظاهرين، مستعد أن يتنازل عن الحكم وفق رؤية الجامعة العربية التي لا تريد وقف القتل بل تطلب من بشار أن يسلم السلطة هكذا؟

كلنا نعرف أنها أفكار laquo;خنفشاريةraquo;، تكليف نائب الرئيس بمهام الرئيس، وتشكيل حكومة مع المعارضة، وانتخابات حرة، وخروج بشار من الحكم، حقا هؤلاء الذين صمموا المشروع يخاطبون دولة مثل السويد لا سوريا تحت نظام يقتل لأتفه الأسباب، إنما السؤال لماذا هذا العبث؟

هل الهدف تبرير التدخل الدولي لاحقا باسم فشل الحل العربي؟

إذا كان حقا هذا هو الهدف، فلماذا منح النظام ثلاثة أشهر أخرى ليقتل ألفي مواطن إضافيين؟ ولماذا تضع الجامعة توقيعها على استمرار معاناة عشرين مليون سوري معظمهم بلا تدفئة في البرد القارس، ودون ما يكفي من الطعام، والمستشفيات شبه معطلة، وعشرات الآلاف في المعتقلات ومزيد من القتل في الشوارع كل يوم؟ لماذا تجعل الجامعة العربية نفسها غطاء لهذه الجريمة والكارثة المروعة؟

أما إذا كان الهدف هو حماية النظام، ومنحه المزيد من الوقت لتدبر أمره على الأرض بقمع الاحتجاجات، ومنع المجتمع الدولي من التدخل، وتسهيل مهمة الروس والإيرانيين، وهو ما يظنه كثيرون، فلماذا السكوت على موقف الجامعة من قبل القوى السياسية المختلفة؟ هنا تجب محاكمة الجامعة العربية التي تحولت إلى أسوأ مؤسسة عربية في تاريخ الأمة العربية.