داود الشريان

تواطأ أهل قرية على الصمت عن سلوك مواطنهم عمار. هو يتبنى اللقطاء الذين يُلقى بهم أمام أبواب المساجد، والأحياء القصية، ويمنحهم حمايته واسمه. عمّار كان لقيطاً في الأساس، وبات أباً للقطاء القرية، وأصبح دوره حلاً لجرائم الشرف، والنزوات العابرة، وستراً للبيوت. لكنه استغل خدماته في ابتزاز أهل القرية. أصبح يمتهن السطو على المنازل، لإطعام laquo;أولادهraquo;، وفي كل صبح يجتمع الناس للحديث عن ضحية عمّار ليلة البارحة، ويضحكون. لكنهم يتجنّبون الخوض في سر صمتهم عنه.

قرر بعض وجهاء القرية وضع حد لابتزاز عمار. لم يعد السبب الذي دفعهم إلى الصبر عليه مطلوباً. أصبح هناك من يتولى أمور اللقطاء، وأقام شيخ القرية داراً لتربيتهم. أُعِدَّت خطة للقبض على عمار بالجرم المشهود. استعد الناس لليوم الموعود. ذات ليلة خرج عمّار من منزله، واتجه الى منارة المسجد، وقام بحرف المصباح الى الأعلى، حتى تأكد من انتشار العتمة، ونزل ماشياً في اتجاه أحد المنازل. شاهده الرجال المنتشرون على أسطح البيوت، فصاح أحدهم قائلاً، laquo;يا فلان انتبه، عمار لم يأتِ ناحيتنا، ربما يتجه الى حيِّكم، استعدواraquo;. عاد عمار الى منزله، ولم يستطع السرقة في تلك الليلة. وتكرر المشهد، كلما قرر السطو على أحد البيوت، سمع أصوات الرجال تتنادى كأنها تحذره من المكمن المنصوب له. أدرك عمار أن أهل القرية ضاقوا ذرعاً بسلوكه، لكنهم عاجزون عن القبض عليه، وربما غير جادين، وبعضهم رافض للفكرة من أساسها.

اجتمع وجهاء القرية للبحث عن حل لهذه المشكلة. قال بعضهم ان عمار توقف عن السرقة. نشب خلاف بينهم. اقترح احدهم تشكيل لجنة لمراقبة سلوك عمار من أجل الخروج برأي حاسم في أمره. عرف عمّار اسماء اعضاء اللجنة المكلفة مراقبته، كان يعرف عن بعضهم أسراراً يملك شواهدها في منزله وبيوتهم.

بعد بضعة أشهر، دعا شيخ القرية الى اجتماع لسماع رأي اللجنة المكلفة مراقبة سلوك عمار. تضاربت الآراء، على رغم يقين الجميع انه مازال يسطو على بيوتهم. مات عمار، زاد عدد اللصوص واللقطاء، وتحوّلت اللجنة واقعةً يؤرخ بها الناس خيبتهم.