عاطف الغمري

هذا يوم من أعظم أيام مصر، تعلو به قامة المصريين في الداخل والخارج . وتبدأ منه الخطوة الثانية في مشوار استكمال أهداف الثورة .

وإذا كانت ثورة 25 يناير، قد ألقيت في طريقها معوقات، القصد منها تفريغها من طاقتها الخيرة والبناءة، فهذا شيء ليس بجديد في تاريخ الثورات، حين تتعرض لما يعرف باسم فوضى ما بعد الثورة، التي تفتعلها عناصر الثورة المضادة المنظمة، التي تحاول أن تنقض على صحوة الشعوب، ودائماً كان التاريخ شاهداً على أن ذلك، ما هو إلا رجفة جسد سقيم، نخرت في عظامه آفات الفساد، والتخلف، والذاتية، وفقدان البصيرة . فالثورة هي حركة التاريخ التي تدهس في النهاية أي معوقات تقف في طريق إرادة شعب، يطلب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية .

في هذا اليوم 25 يناير انتفض المصريون طلباً لأهداف محددة، لا رجعة عنها، استقرت في الوعي الجماعي، وكانت الطاقة التي انطلقت من صدورهم، هي تراكمات ثقلت علي النفوس، من أفعال قهر لحرية الإنسان لعشرات السنين، وحجْر على إنسانية المواطن، وحبس لطاقاته الخلاقة، وراء أسوار نظامه الأمني المقيت .

هذه الطاقة التي انطلقت من الصدور، لم تكن تنفيساً عن لحظة غضب، لكنها وليد تراث في تاريخ طويل من كفاح المصريين ضد جميع أشكال الظلم، والسطو غير المشروع على الوطن، فلم يكونوا أبداً مستسلمين، منبطحين، قابلين للمهانة، وهو كفاح سجله لهم التاريخ في صفحات ناصعة، إلى أن حل عليهم نظام أراد أن يطمس هذا كله، حين رفع أمام نظر من يرون مصر والمصريين، صورة تجسدت فيها أفكاره، وملامحه تظهر مصر وكأنها أمة بلا تاريخ، بينما النظام نفسه هو الواقف خارج التاريخ .

في 25 يناير تغير وجه الحياة في مصر، وجلبت الثورة معها، تحولات هائلة سرت دفقاتها في شرايين المجتمع، تهزه من أعماقه، وتوقظ عزيمته، ليقف على قدميه، مرفوع الرأس، ليرسي الأساس لدولة المستقبل . وكانت تلك أولى خطى الثورة . وحين أشرقت شمس 25 يناير تنشر ضياءها في الأفق الرحب كان ذلك إيذاناً بأن مصر لن تعود أبداً إلى ما كانت عليه .

* إن أحداً في مصر، لم يكن يخفى عليه كيف أن الأمل في المستقبل، قد نزع عن المصريين، وكل يوم يمر عليهم يزداد طول طوابير العاطلين من خريجي الجامعات، ومن الحرفيين البسطاء، وتشتد وطأة الفقر على من ازدحمت بهم ساحته، والذين وصلت نسبة من هم تحت خط الفقر بينهم، إلى 40% من السكان في بلد غني بموارده المهدرة، وتقسو ضراوة المرض على الجميع من دون تمييز، ويفتح الباب لاستيراد سلع منتهية الصلاحية، وهادمة لصحة البشر، ويعاني متوسطو الدخل ومعدموه، من حرمان نيل حقوق الرعاية الصحية بالمستشفيات التي يقال عنها إنها مجانية العلاج، ويتدهور التعليم، مثله مثل بقية المرافق، ويتجمد الإنتاج زراعياً وصناعياً في برامج الحكومات، لمصلحة الاستيراد الذي يجلب عمولات بالملايين لمجموعة بعينها، ويصبح أمل المصريين في حكم يرعاهم ويتقي الله فيهم في عداد المستحيلات، ويثقل على النفوس، تراجع مكانة مصر، في عالمها العربي، وفي الخارج، فيرتع تجبراً من حولها الطامعون من دون خوف أو ردع .

وجاء يوم 25 يناير، يحيي الأمل الذي كان مفقوداً، وانطلق جارفاً في الصدور، مستجمعاً قواه المكبلة، ويحل الأمل محل أحاسيس الضياع والإحباط، وتسري روح التفاؤل، تجدد في النفوس طاقات لن تجمد أبداً .

25 يناير جعل المصريين يكتشفون قوتهم، التي كانت قد خبت، من طول سنوات القهر، وممارسات أمن الدولة، المدرب على أساليب القهر، والبطش، والجبروت اللا إنساني، واكتشفوا طاقتهم المستمدة من خصائص الشخصية القومية، بكل مكوناتها التي تجمعت عبر آلاف السنين، التي كانت وقود ثورتهم، وأضافوا إليها أدوات العصر المتغير، عصر ثورة المعلومات، والمعرفة، والخيال الإبداعي .

كان المنطق بعد هذه المرحلة الأولى من مشوار الثورة، يقضي بأن تطرح شجرة الثورة ثمارها، ليشعر المصريون بنتائج التغيير، لكن الذين صنعوا الثورة، أبعدوا عن أي دور في الحكم والإدارة، بل وحتى من طلب النصح والمشورة، وهم طرفان: الطليعة من الشباب، وقطاع من النخبة أسهموا في السنوات العشر الأخيرة في إيقاظ الوعي الوطني في مصر .

ولو كان قد أتيح لهم وجود على أي مستوى، لكانت أهداف الثورة، قد وضعت موضع التنفيذ، ولما وجدت عناصر الثورة المضادة، الفرصة سانحة لها، لتوجه من وقت إلى آخر ضرباتها التخريبية، لتعطيل التقدم والإصلاح، وتشويه صورة الثورة والثوار .

إن الثورة لا يمكنها أن تعيد بناء الدولة، فوق أرض غير ممهدة، فالثورة قامت لأن النظام السابق، أحال البلد مرتعاً للفساد، والنهب المنظم لثرواتها، وجعلها أشبه بما يعرف بالأرض المحروقة . وأي بناء للمستقبل يضع مبادئ وأهداف الثورة، موضع التنفيذ، لا بد له أولاً، من إزاحة القواعد المتهالكة فكراً وسلوكاً وعملاً، التي قام عليها النظام الساقط، ومن نزع الفروع السامة الكارهة للثورة، وللتغيير، وذلك حتى يقوم البناء فوق أساس يبقى ويدوم .

في عام 2011 قامت ثورة تقودها أهداف ومبادئ صريحة وقاطعة، وفي 2012 سوف تقودها أهدافها ومبادئها .