علي راشد النعيمي

إن علاقة السلطة بالدين هي علاقة أزلية لا يمكن تجاهلها أو الادعاء بفصلها، إذا تأملنا حياة البشر بواقعية وحيادية. ويرجع ذلك إلى ما للدين من سلطان وقوة تأثير على أفكار الناس وسلوكياتهم، والذي يترجم إلى ولاء وانحياز للسلطة القائمة أو لمن يعاديها. وفي جميع الأحوال يزايد كل طرف بأنه يسعى لمرضاة الرب وخدمة الخلق. هكذا كان الحال في الصراعات بين الأطراف الساعية للسلطة، وهذا ما تكرر في ثورات الحراك العربي، فالدين كان حاضراً وبقوة في جميع البلدان التي عصف بها أو أثر فيها ذلك الحراك. ففي تونس برز تأثير الإسلام السياسي على الشعب التونسي من خلال تحول quot;النهضةquot; من حركة محظورة إلى حزب ذي أغلبية برلمانية، رغم سياسة تجفيف المنابع التي انتهجها النظام السابق على مدى عقود، والتي أدت إلى نتائج عكسية عند الشعب التونسي. وكذلك الأمر بالنسبة لمصر، فقد تمكن quot;حزب الحرية والعدالةquot; (الممثل لجماعة quot;الإخوان المسلمينquot;) وحلفاؤه من الحصول على 47 في المئة، كما حصل السلفيون (رغم حداثة نشأتهم السياسية) على 25 في المئة. والأمر نفسه تكرر في المغرب بوصول quot;حزب العدالة والتنميةquot; إلى الحكم. ولعل الوضع الليبي لا يختلف عن ذلك كثيراً، فلماذا فازت هذه الأحزاب؟ هل قدمت برامج انتخابية عملية تعالج القضايا الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لمجتمعاتها؟ هل أقنعت الناخبين بقدرتها على تحقيق وعودها الانتخابية بناءً على رصيد تاريخي في العمل السياسي والإنجاز؟ أم أنها فازت لأن الشعوب العربية أرادت أن تعطيها فرصة كما أخذ الآخرون فرصهم سابقاً ففشلوا فشلاً ذريعاً في توفير الحياة الكريمة لشعوبهم؟ أم أن الشعوب العربية مقتنعة بأن شعارات هذه الأحزاب في أن quot;الإسلام هو الحلquot; ستتحول إلى برامج تحقق العدالة والحرية والمساواة؟ هناك العديد من الأسباب التي تفسر وصول هذه الأحزاب للحكم، لكن العامل المشترك هو توظيف الإسلام للوصول إلى الحكم لأن الشعوب العربية محبة للإسلام ولديها اعتزاز كبير به، فإذا جاء من يخاطبها باسم الدين أنصتت له وصدقته، لاسيما أن الأنظمة فشلت في التفريق بين موقفها من الإسلام وموقفها من جماعات الإسلام السياسي لدى شعوبها وبالذات عند الإنسان البسيط الذي لم يتمكن من التمييز بين الموقفين، وهذا ما تمكنت جماعات الإسلام السياسي من توظيفه لصالحها، فزعمت أن الأنظمة العربية الحاكمة تحارب الإسلام من خلال استهداف الجماعات الدينية، والمثال التونسي أكثرها وضوحاً في ذلك، فالحرب على الحجاب والقيود التي فرضت على المساجد لامست حياة الفرد مباشرة في دينه وإيمانه، لكنه عندما وجد الفرصة ظهر بصورته الطبيعية التي يريدها هو لنفسه وليس ما تريده الدولة له، فانتشر الحجاب وامتلأت المساجد بالمصلين، وعندما ذهب لينتخب اختار من رفع شعار الحرية والعدالة لأنه يخشى على إسلامه من أن يأتي أحد يستهدفه ويسيء إليه.