عبد الوهاب بدرخان

هل قال قاسم سليماني ما نسب اليه؟ طبعا قاله، ولم يكن يتخيل او يهدس، بل تحدث ما يعرف جيدا، وليس مهما بعد ذلك ان ينفي رامين مهمانبرست او غضنفر ركن ابادي، او يؤكد النفي وئام وهاب. وقد عنى النفي ان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري ارتكب خطأ بالثرثرة، ولم يخطئ في المضمون. وبما ان كلامه تناول لبنان والعراق، فلا بأس في الاشارة الى ان ردود الفعل في بغداد كانت اكثر صخبا وسخطا، اذ التقت الاطراف السياسية، بما فيها تلك المحسوبة على ايران، على وصف تصريحاته بأنها quot;تطاول غير مقبولquot;. اما بيان الخارجية العراقية فكان شبيه اللهجة بالبيان الرئاسي اللبناني اذ شددا على عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
لكن سليماني لم يقل ان الامر يتعلق بـquot;تدخلquot; بل بـquot;حضورquot; ايراني في جنوب لبنان وفي العراق، وبـquot;خضوعquot; البلدين لآراء طهران وأفكارها، كذلك بـquot;امكانquot; ايران تشكيل حكومات. اي ان quot;التدخلquot; اصبح عمليا وراءها، وقد تجاوزته الى ما هو ابعد. لعل اللافت انه قال quot;جنوب لبنانquot; وليس لبنان، ولا يعني ذلك ان معلوماته ناقصة ولا يعرف ان quot;سلاح المقاومةquot; اصبح في بيروت وسائر المناطق تقريبا، لكنه كان معنيا بمخاطبة اسرائيل وقوى quot;الاستكبار العالميquot; ليذكّر بأن ثمة بيدقا لبنانيا في يد ايران ويمكنها تحريكه متى شاءت. اما لماذا قال quot;العراقquot; من دون تحديد جهة فيه لأنه، اي سليماني، فرغ لتوه من quot;تحريرquot; العراق من الاحتلال الاميركي.
في اي حال، جاء كلام سليماني في مناسبة عرض العضلات الايرانية والتلويح باغلاق مضيق هرمز والتهديد بالحرب او الاستعداد لها ردا على الحظر النفطي. لذلك رأى من المفيد تعداد اوراق القوة في ايدي ايران. لكن اللافت ايضا انه لم يأت على ذكر سوريا، وكأنه اسقطها من حسابه، ربما باعتبار ما كان حتى اليوم وما سيكون بعد الآن. فإيران في صدد خسارة حليفها النظام السوري الذي فقد جدوى بقائه طالما انه فشل في معالجة أزمته. والواقع ان سليماني الذي quot;أذلّ الاميركيينquot; في العراق وافغانستان، بحسب بيان وهاب، حاول مساعدة الحلفاء السوريين، الا انه لم يعثر في مناطق الانتفاضة على اميركيين لاذلالهم، ولا على quot;مؤامرة استكباريةquot; لاحباطها.
لكن اتضح، من زاوية اخرى، ان توقيت كلام سليماني لم يكن مناسبا، لذا تطلب quot;النفي القاطعquot;. فليست اللحظة مؤاتية لفضح القوى التابعة والمستتبعة، او حتى لاحراجها، لئلا يواجه النفوذ الايراني quot;ربيعا عربياquot; يقول له: ارحل. وبمعنى آخر فإن سليماني بدا كمن لم يتعلم شيئا من محنة سوريا ومن المحنة الايرانية في سوريا. فإذا كانت طهران تجمّع اوراق نفوذها لتلعبها في اي مفاوضات مقبلة مع الدول الغربية، انقاذا لبرنامجها النووي، فإن هذه الاوراق لن يسهل تصريفها، لأن المفاوضين الغربيين سيذكّرونها بأن اي نفوذ في بؤر متوترة لها يدوم، فقد يكون فخا وقد يكون وهما، بدليل ان شيئا من النفوذ الايراني في سوريا لن يبقى.