اسرائيل اليوم

عندما جلس جورج كنان من سيعتبر لاحقا الدبلوماسي الاسطوري للولايات المتحدة في سفارة بلاده في موسكو واقترح 'سياسة الصد' لمنع سيطرة الاتحاد السوفييتي على غربي اوروبا لم يتصور ان يفتح النار كي يكبح جماحه. فقد اقترح الوقوف في الحاجز وعدم السماح للجيش الاحمر بالتدحرج عبر المحيط الاطلسي. البرقية التي بعث بها الى واشنطن نشرت كمقال بقلم المجهول 'اكس' فحفز بذلك تدخل الرئيس هاري ترومن لحماية تركيا واليونان.
في العام 2012 الوضع مشابه، ولكنه مختلف. ايران ليست الاتحاد السوفييتي ولكن ببطء بات الغرب يفهم بان في الصراع ضد الاسلام المنتشر ايضا وفي بؤرته الشيعة ثمة حاجة الى سياسة صد. لا سعيا للحرب، ولكن رسم حدود وتحفظات والسماح للجناح المتطرف الذي في هذا الدين ان يتردد مع نفسه الى أن يغير الاتجاه. وبالذات من ليس معنيا في الا تندلع في نهاية المطاف حرب على النفط أو على مشروع النووي وربما على العبور في مضائق هرمز، وعمليا الثلاثة هم رزمة واحدة يجب ان يحث الخطوة الصحيحة التي قررها الاتحاد الاوروبي. القرار بفرض مقاطعة على النفط من ايران شكل أمس واحدا من موضوعي حديث بين ايهود باراك ووزير خارجية الاتحاد الاوروبي كاترين اشتون.
فقط بخلاف أن التعاون ليس كاملا. وذلك لان الاوروبيين يربطون ايران بفلسطين وكلما اقتربوا من الموقف الاسرائيلي تجاه طهران، طالبوها بتلطيف موقفها تجاه رام الله.
واضح من اقوال بنيامين نتنياهو والمقابلة مع ايهود باراك أن اسرائيل تبحث عن نقطة التوازن بين ميلها الى الثناء على القرار الاوروبي وبين رغبتها في تشجيع دول القارة على حث تطبيق الحظر على النفط الفارسي. فما المنفعة التي ستتحقق للعالم من حظر يبدأ في تموز وتأتي نتائجه بعد ذلك ببضعة اشهر، اذا ما تمكنت ايران حتى ذلك الحين من نقل منشآت النووي الى 'مواقع محصنة'؟
يمكن ان نرى في ما يجري هذه الايام بداية جديدة، مشجعة. ولكن ايضا ان تستمر المراوحة في الثرثرة والتسويف، وفي هذه الاثناء يخصب الايرانيون اليورانيوم ويتقدموا نحو هدفهم المنشود انتاج قنبلة نووية. صحيح ان قنبلة نووية واحدة بعد 67 سنة من القاء اثنتين على اليابان لا تشكل وزنا مضادا للمخزون النووي الذي لدى فرنسا أو بريطانيا. ولكن الفارق بين صفر وواحد هو فارق استراتيجي.
باراك سأل ذات مرة القيادة الامريكية اذا كانت الولايات المتحدة لتهاجم صدام حسين في 1991 لو كان مناحيم بيغن سعى قبل أن يصفي المفاعل النووي قرب بغداد الى طلب ذلك واستجيب بالرفض. هذا هو لب الفارق. ايران مع قنبلة واحدة هي الضعيفة بين الدول الاعضاء في النادي النووي، ولكن يوجد في مخزنها تهديد لم يكن مثله حتى الان. وبالتأكيد تجاه الغرب، الذي استعداده لتكبد الخسائر قليل، بل ويقل من سنة الى اخرى.
الان هو زمن الدبلوماسية الاسرائيلية لدق كل باب في الدول المتنورة وحث تقصير الخطوة في ظل توسيعها لتشمل البنك المركزي لطهران، واذا كانت توجد قوى خفية وغامضة تمس بقادة المشروع النووي الايراني من المعقول الا يقوموا بنصف المهمة بل أن يواصلوها.
تشديد الضغط الان على ايران المنحرجة، التي لم تتكيف بعد مع الواقع الاقتصادي والسياسي الجديد، مع العملة الضعيفة ومع العالم الذي يغلق عليها، أفضل من الانتظار البطيء للنتائج. فلا بديل عن الزمن الضائع.