سمير عطا الله

أين تحدث أسوأ الخيبات؟ لا، ليس في الناس، بل في المكتبات. وأحيانا في الأفلام. لا أعطي وقتا كثيرا لمشاهدة فيلم، وعندما يخدعني القسم الأول من فيلم ما، وأكتشف المقلب في نهايته، أشعر أنه سرق مني أثمن ما أملك: الوقت والتوقع. تقدم المكتبات لزبائنها مقاعد خاصة لكي يتفحصوا الكتب ويتأكدوا منها قبل شرائها، لكنني أخجل من أن أفعل ذلك خوف أن أتهم بالبخل والتقتير، ويحدث أن أدفع الثمن مالا قليلا ووقتا لا يستعاد، والأسوأ هو الشعور بالقهر: لماذا هذا النوع من الكتب؟ ومن يطبعها ومن يوزعها ومن يقرأها؟ خصوصا في المعارض، أحمل الكتب بالكيلوات ويبقى لي منها الغرامات، ولكن أحيانا يساوي غرام موجود ألف كيلوغرام موجود.

تعودت أن أقتني الكتب التي تصدر عن أرنست همنغواي، برغم كثرة ما صدر عنه، والقناعة بأنه ما من جديد يضاف. كان أدب همنغواي مثل سيرته، منيعا للمواضيع المثيرة والدراسات النفسية: حبه للحروب، حبه للنساء، حبه لصيد الغابات والبحر، أسفاره في أفريقيا، الانتقال من الحياة في أميركا إلى الحياة في باريس وإسبانيا وكوبا. وأخيرا انتحاره عام 1961 بالبندقية التي أمضى حياته يصطاد بها الطيور والوحوش وحتى حيتان البحر.

أغراني كتاب جديد بعنوان: laquo;مركب همنغوايraquo; كل ما أحبه في حياته وفقده، 1934 ndash; 1961 laquo;بقلم بول هندريكسون. أمضى هذا المؤلف سنوات في وضع الكتاب. ذهب إلى كل مكان اصطاد فيه همنغواي البط والسمك. تحدث إلى كل من بقي على قيد الحياة من أبنائه وأصدقائه. ذهب إلى المتاحف بحثا عن الوثائق. حصل على صورة رخصة إبحار المركب الذي سماه همنغواي laquo;بيلارraquo;، وهو اسم نسائي إسباني شائع. فتش عن أصل الخشب ونوع الحديد. أمضى الشهور الطويلة يدرس تفاصيل laquo;بيلارraquo; المهجور الآن في أحواض كوبا، حيث عاش صاحب المركب أيامه الأخيرة.

ماذا يضيف الكتاب إلى مكتبة همنغواي، أو إلى المكتبة الأدبية عامة؟ يضيف ثرثرة لا حد لها، وأسلوبا باليا، وترهات لا تهم أحدا على الإطلاق، بمن فيهم أحفاد همنغواي وأحفاد وكيله الأدبي، وأحفاد الذين مثلوا أفلامه في هوليوود، وأحفاد أصدقائه من صيادي السمك في كوبا الذين بنى همنغواي على حكاياتهم رائعته الوحيدة المليئة بمشاعر الضعفاء: laquo;الشيخ والبحرraquo;.

عدا ذلك كان همنغواي مأخوذا بالقوة والأقوياء، بأبطال الحروب ومصارعي الثيران وحملة الرشاشات. وحيدا على الشاطئ الكوبي تأمل شقاء الصيادين مع اللقمة الآتية من بحر مليء بالأسماك. صياد عجوز لا رفيق له سوى صبي كوبي فقير، يعثر فجأة على سمكة أكبر من قوته، ويظل يتصارع معها، حتى تفقد معظم لحمها ويفقد معظم قواه الواهنة أصلا.

أهم ما في همنغواي كان كتابه عن حياة الصياد العجوز ولم يكن مركبه. ومن أحب منكم همنغواي فليمتنع عن قراءة هذا الهراء. أو ما شابه.