مشاري الذايدي

مع نهاية هذه السنة الثورية 2011 من الطبيعي أن تتنافس وسائل الإعلام على عمل المراجعات والمطالعات والوثائقيات والمقابلات والانفرادات التي تستهوي المستهلك الإعلامي.

لدينا تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا.. هذه البلدان على الأقل، تثير عشرات القصص والملفات الغامضة في أغلبها، الواضحة في أقلها، وتلك شهوة لا تقاوم لدى صناع الإعلام في مخاطبة هذا الجوع المعرفي والفضولي لدى إنسان هذه المنطقة، منطقة الربيع العربي لتعريفه بما جرى، أو على الأقل إيهامه بتفهيمه ما جرى وكشف ما لم ير من الأسرار.

لذلك دخل laquo;أبو الأسرارraquo; والملفات الغامضة في العالم العربي، الصحافي العتيق محمد حسنين هيكل على الخط، وتواترت الأخبار عن كتابه الذي laquo;قطع قول كل خطيبraquo; عن الرئيس المصري المتنحي والمحاكم الآن محمد حسني مبارك، وقد أثار الاستعراض الذي نشر عن الكتاب في الصحف، الجدل قبل أن يخرج بشكل كامل عن دار laquo;الشروقraquo; المصرية، التي اعتدنا قراءة كتب هيكل عن طريقها، فمن قائل إن هيكل أدرج روايات صحافيين مصريين آخرين عن عهد مبارك موهما أنها له، باعتبار أن خزنة أسرار هيكل التي استثمرها وحلبها كثيرا إنما كانت في عبد الناصر وطرفا من عهد السادات، بينما هو مبتوت الصلة بعهد مبارك المديد. ومن قائل إن هيكل سبق له أن تعهد علنا بالتوقف عن الكتابة فيما سماه laquo;استئذان بالانصرافraquo; فما الذي جعل شيخ الصحافيين الناصريين ينكث بعهده؟

أظن أن إغراء اللحظة لا يقاوم، وقد استجاب laquo;الجورنالجيraquo; كما يحب أن يعرف نفسه دوما لهذا الإغراء الشديد، ومثله فعل كثير من الكتاب، في خارج مصر وداخلها، فأخرجوا كتبا توهم بكشف المستور وقراءة الثورات وتفسيرها وتوقع الآتي!

الحق أننا ما زلنا في خضم الحدث، وعيوننا ما زالت مخطوفة بسطوع الانفجار الكبير الباهر، لم نستطع بعد استعادة صفاء الرؤية، نحن نتابع الحدث أولا بأولا، هناك مزيج من العواطف الجياشة في الشارع العربي، وهناك شعور ساخن بأننا أمام لحظة laquo;مهدويةraquo; انقلابية تعيد الدنيا مروجا خضراء، جرعة هائلة من الأدرينالين الثوري لم ينته مفعولها بعد، ولذلك حدث تباين وتناقض بين المسار الثوري الهائج في مصر حتى الآن، والمسار السياسي الطبيعي الذي يعتقد أن الثورة قد انتهت وبدأت مرحلة بناء الدولة الثورية، وهذا، ربما، ما يفسر في جانب منه التناقض الحاد بين مشهد ميدان التحرير وغيره من الميادين الثائرة في مصر في نفس اللحظة التي انعقد فيها برلمان مفرز من الشعب المصري بعد سقوط نظام مبارك باعتباره برلمان الثورة!

هناك من لا يزال يحلم، وهناك من يجزم بنهاية النوم، بأحلامه وسكونه، وبداية الواقع الحقيقي، لكن الأحلام دوما أقوى تأثيرا وأخطر فعلا من الواقع.

وبعد: وأنا أطالع هذه المواد الإعلامية الاحتفائية بحصاد الربيع العربي وأحلام الناس البسطاء والصادقين ثوريا، تذكرت فيلما وثائقيا شاهدته قبل بداية الربيع العربي بعنوان: أيام السيد العربي، وفيه الكثير من هذه الأحلام الشبيهة من كلاسيكيات ثورة 1919 إلى رومانسيات ثورة الضباط الأحرار في مصر 1952 وlaquo;ارفع رأسك يا أخيraquo;..

ما أشبه الليلة بالبارحة..