كتب Gokhan Bacik

تشعر تركيا بالقلق من الأجندة التي يتبعها المالكي وتنجم مخاوفها عن عوامل عدة: أولاً، تعارض تركيا أي نوع من التحرك السياسي العراقي الذي يمكن أن يضرّ بمصالح الطائفة السنية عموماً. ثانياً، لا تشعر تركيا بالسرور من تنامي النفوذ الإيراني.
انتقد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تركيا لأنها تلعب دوراً قد يؤدي إلى وقوع كارثة في المنطقة، بالنسبة إلى تركيا، تشكّل سياسات المالكي الأخيرة تهديداً واضحاً على الوحدة الوطنية العراقية، فمنذ انسحاب القوات الأميركية، وضع المالكي أجندة عدائية لترسيخ سلطته في العراق واعتُقل عدد من أبرز المعارضين أيضاً.
عيّن المالكي عدداً من الموالين له في مناصب عليا داخل الجيش ومؤسسات أمنية أخرى، كما يحصل في جميع الدول الفاشلة، أكثر ما يهم العراق الآن هو معرفة هوية الطرف الذي يسيطر على الأمن.
المعادلة بسيطة: من يسيطر على الأمن يسيطر على الدولة! حتى إن المالكي لم يعيّن وزيراً للداخلية، فهو يحرص على إبقاء أهم المؤسسات الأمنية، مثل سلك الشرطة، تحت إشرافه المباشر، كما كان متوقعاً، تمركزت بعض الوحدات الأمنية، بقيادة مسؤولين موالين للحكومة، في محافظات مثل ديالى حيث تتمتع ldquo;الحركة الوطنية العراقيةrdquo; المعارِضة بتأييد واسع.
تشعر تركيا بالقلق من الأجندة التي يتبعها المالكي وتنجم مخاوفها عن عوامل عدة: أولاً، تعارض تركيا أي نوع من التحرك السياسي العراقي الذي يمكن أن يضرّ بمصالح الطائفة السنية عموماً. ثانياً، لا تشعر تركيا بالسرور من تنامي النفوذ الإيراني.
صحيح أن تركيا لعبت دوراً أساسياً في المنطقة خلال العقد الماضي، لكن نجحت إيران في المقابل في تعزيز نفوذها الإقليمي منذ بداية أحداث الربيع العربي، فقد اضطلعت طهران بالدور التركي السابق في السياسة السورية، وسيكون حصول الأمر نفسه في العراق وضعاً مقلقاً بالنسبة إلى أنقرة.
في الفترة الأخيرة، أكد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أن تركيا وإيران تتنافسان على مسائل عدة، تشكّل سورية والعراق مثالاً واضحاً على هذا التنافس بين البلدين.
انطلاقاً من الوضع القائم في سورية والعراق، يجب أن تتنبّه الجهات المعنية إلى المعطيات الداخلية في السياسة الشيعية، فتُعتبر إيران حليفاً لا غنى عنه في الشرق الأوسط بالنسبة إلى أي جماعة سياسية شيعية، بما في ذلك جماعة المالكي. نشطت الحركات الشيعية على نطاق واسع لمساعدة نظام دمشق خلال صراعه الأخير للصمود في السلطة، بالتالي، على الرغم من الاختلافات بشأن مسائل متنوعة، مثل النزعة العلمانية أو الدينية، يبدو أن الجماعات السياسية الشيعية ليست مستعدة للمخاطرة بتواصلها مع الطائفة الشيعية الكبرى في المنطقة.
بالنسبة إلى أنقرة، كان الموقف الأميركي مفاجئاً، فقد اعتبرت إدارة أوباما أن حكومة المالكي هي ldquo;شريكة ديمقراطيةrdquo;، وربما تبحث واشنطن عن شركاء جدد في الأوساط الشيعية، لكن لماذا وقع اختيارها على المالكي؟ تكمن المفارقة في واقع أن المالكي قد يكون أكثر فاعلية من القادة الشيعة العلمانيين من أمثال إياد علاوي.
قد تُنشئ الولايات المتحدة ما يشبه جسر التواصل مع إيران عن طريق المالكي، أو ربما تفضّل الولايات المتحدة التواصل مع عدد من القادة الشيعة في المنطقة لتقليص حجم الاحتكار الإيراني، لكن يشكّل الشرخ الذي سيسبّبه هذا الوضع بين واشنطن وأنقرة عاملاً آخر سيساعد إيران على تعزيز نفوذها، وبغض النظر عن التناغم القائم بين الولايات المتحدة والمالكي، من المتوقع أن تستعمل تركيا مواردها للتأثير في السياسة العراقية.
في الإطار نفسه، من المعروف أن علاقة تركيا بالمناطق الكردية لاتزال شائكة، إذ سيكون دعم واشنطن للمالكي سبباً وجيهاً لتعزيز التقارب بين أنقرة وأربيل، وقد يكون من مصلحة تركيا ألا تنتقد الدعم الأميركي للمالكي، إذ سيساهم هذا الوضع في تعزيز موقع تركيا في أجزاء أخرى من العراق.
على أرض الواقع، لا يزال النفوذ التركي في أوساط الجماعات الشيعية في العراق محدوداً جداً، لكن قد تستفيد تركيا من الدعم الأميركي لحكومة المالكي كي تسيطر على المناطق السنية أو حتى الجماعات الكردية لدرجة معينة.
على صعيد آخر، ستنتهي الاستراتيجية الأميركية الراهنة بكوارث جديدة بالنسبة إلى واشنطن: لا تملك الولايات المتحدة أي فرصة للتأثير في السياسة الشيعية العامة، لكن قد يؤدي تأييد واشنطن للمالكي هذه المرة إلى خسارتها دعم الجماعات السنية كلها.